مصر: سقوط الفرعون Arabic Share Tweetمن بين السمات البارزة للثورة هي أن الجماهير تقهر خوفها من الدولة والقمع. وقد تجلى هذا بشكل ملموس في شوارع مصر. وفي الوقت نفسه، يؤدي تصاعد النضال الجماهيري إلى كسر الطابوهات النفسية للجنود ويبدأ الجيش في الانقسام على أرضية طبقية. وومع تطور الثورة تبدأ مظاهر التآخي النادرة بين قوات القمع والجماهير، التي من المفترض أنهم قدموا لسحقها.كانت هناك مشاهد مذهلة في القاهرة، التي تعتبر أكبر عاصمة في العالم العربي، خلال الانتفاضة الحالية. فبغض النظر عن احتضان الجنود في الدبابات، يوم 31 يناير 2011، فقد حلقت طائرات مقاتلة مصرية، على ارتفاع منخفض فوق الحشود، بعد أن تلقت الأوامر بترهيب وتخويف الجماهير في الشوارع. لكن الشعب هلل ولوح للطائرة المقاتلة، كما شوهد الطيار وهو يرد عليهم بالتلويح.هذا النهوض الثوري قضى على كل المشككين والمتشائمين من اليسار واليمين، الذين كانوا قد شطبوا الإمكانيات الثورية من جدول الأعمال السياسي. وقد أصيبوا بالصدمة. لقد اخترقت موجة التمرد البناء السياسي القائم، للبراليين الموالين للإمبريالية وللنظام الاستبدادي للرئيس مبارك وللمعارضة الأصولية الإسلامية للإخوان المسلمين. وكما هو الحال في تونس، فقد فندت الجماهير الفكرة التي تنشرها وسائل الإعلام الرئيسية بان المعارضة الوحيدة المعادية للإمبريالية في الشرق الأوسط هي الحركة الإسلامية. وقد كان تواجد أعداد كبيرة من الأعلام الحمراء والمطرقة المنجل في المظاهرات التي جرت في تونس والأردن واليمن ومصر، رمز لوجود تيارات اليسار في هذه الحركات.وقد انطلقت الاحتجاجات الثورية الحالية في مصر بعد تسعة وخمسين سنة. في عام 1952، أطاح ضباط يساريون رادكاليون، بدعم من ثورة جماهيرية مماثلة، بنظام الملك فاروق الفاسد والمستبد. وأصبح جمال عبد الناصر زعيم الاشتراكية القومية العربية رئيسا، وشرع في إجراء إصلاحات جذرية. وأدى هذا الأمر إلى سلسلة كاملة من التغيرات الثورية في جميع أنحاء العالم العربي. فأطيح بالأنظمة الاستبدادية اليمينية من قبل الحركات التي سادت، من اليمن إلى سوريا ومن الجزائر إلى العراق والسودان.بعد الحرب العالمية الأولى، قامت القوات الامبريالية المنتصرة بتقسيم العالم العربي الواحد إلى دول مصطنعة وخلقوا حدودا لكي يأبدوا نهبهم لها. على سبيل المثال، خلال اتفاقية سايكس بيكو لعام 1916 اقتسم البريطانيون والفرنسيون فيما بينهم السيطرة على العراق، والأردن، وسوريا ولبنان. وكذلك قامت بريطانيا من خلال وعد بلفور بالسماح بإقامة دولة يهودية في فلسطين.وأدت الانتفاضات التي اندلعت في أعقاب الحرب العالمية الثانية، إلى ثورات ضد الامبريالية والاستغلال الخانق في الشرق الأوسط. ولكن مع انهيار الاتحاد السوفيتي والانحطاط الرأسمالي للبيروقراطية الصينية، بدأت معظم الأنظمة البونابارتية البروليتارية تنحط، وصارت الإمبريالية قادرة على السيطرة في المنطقة في سنوات الثمانينات والتسعينات.إن الانتفاضات الحالية هي نقطة تحول في تاريخ المنطقة. والسبب الجذري لهذه الحركات في مصر وغيرها، هو الأزمة الاقتصادية والاجتماعية المتفاقمة، مع ارتفاع حاد في مستويات الفقر والغلاء والبطالة والفساد. إن الكره الذي تكنه الجماهير لمبارك والطغاة الآخرين في المنطقة، ينبع من تفاقم هذا الاستغلال والقهر.يحاول كل من المثقفين ووسائل الإعلام الغربيين التعتيم على الأسباب الحقيقية وراء هذه التحركات من خلال استبدال مضمونها الاجتماعي بصيغ سياسية. وهذا لن يحل أي شيء. إن الامبرياليين مرعوبون من هذه الطفرة العفوية للجماهير العربية المضطهدة. وعلقت إحدى الصحف الأمريكية قائلة: «إن الولايات المتحدة دعمت مبارك لسببين اثنين: الخوف من خميني آخر والخوف من ناصر آخر. ولا تزال مشاعر القلق مشروعة تماما حتى اليوم.»ولكن الأصوليين الإسلاميين والإمبرياليين هم رفاق قدامى. إذ أن الأمريكيين هم من مول ودعم الإخوان المسلمين خلال سنوات الخمسينات لمواجهة تهديد القضاء على الرأسمالية في مصر. إن البرادعى شخصية انتقالية، ويمكن استخدامه من اجل المصالح الغربية لفترة قصيرة. ومن المحتمل أن تكون وكالة الاستخبارات المركزية تقوم بالفعل بمفاوضات سرية مع الإخوان من أجل تسوية مستقبلية. لكن مع الأزمة التي تلوح في أفق الرأسمالية لن يكون ذلك حلا يوفر أي شكل من الاستقرار في مصر.يتشارك الحكام الليبراليون العلمانيون والحركات الأصولية الإسلامية في الدفاع عن نفس الاقتصاد - الرأسمالية. إن الأزمة الرأسمالية على الصعيد العالمي أو في مصر لن تنتهي في وقت قريب. وبالتالي فلا وجود لأية إمكانية لإصلاحات جادة لصالح الجماهير.ومع ذلك، لا يمكن لثورات بهذه الشدة وهذا البعد أن تستمر إلى الأبد. لا يمكن استبعاد احتمال توقف وإنهاك الموجة الأولى من الاحتجاجات. وحتى مبارك يمكنه أن يترنح لبعض الوقت بعد هذه الحركة الرائعة التي كانت لعنة عليه.ان أكبر مأساة تتسبب فيها الأنظمة الديكتاتورية أو الأوتوقراطية هي أنها تعمل على تخلف وعي الجماهير وتخلق أوهاما حول شخصيات عرضية وحول الديمقراطية البرجوازية. ويحدث هذا في الحالة التي تندلع فيها الحركة الثورية بدون حزب ثوري ذو قاعدة إيديولوجية صلبة، وإستراتيجية وتكتيكات مرنة ومنظمة كوادر محنكة والتي يمكنها أن تحل محل الدولة البرجوازية.للأسف هذا هو الحال في مصر في الوقت الراهن. فهناك غليان ثوري يجتاح جميع أنحاء البلاد، وحتى الآن هناك غياب مأساوي للعامل الذاتي الذي يمكنه أن يقود هذه الثورة إلى انتصار الاشتراكية. لاحظ تروتسكي في عام 1938 أن، «الأزمة التاريخية للبشرية تتلخص الآن في أزمة القيادة الثورية». كم تصدق هذه المقولة على الوضع في الشرق الأوسط وخاصة في مصر.وهذا يعني أن الصيرورة ستصبح طويلة ومعقدة بعض الشيء. ولكن الثورة ذهبت إلى نقطة اللاعودة.. ولن يستغرق الأمر 59 عاما أخرى لحدوث انتفاضة جماهيرية. إنها البداية وليست النهاية لمرحلة جديدة من الصراع الطبقي والثورات. خلال العقود الثلاثة الماضية من الهدوء النسبي للصراع الطبقي، طهر التاريخ الحركات العمالية من تأثير الإصلاحية والستالينية. ولا يزال التحول الاشتراكي، الطريق الوحيد للخلاص اليوم.لاهور، 3 فبراير 2011Translation: Marxy.com