من أجل فن ثوري Arabic Share Tweet Arabic translation of For Revolutionary Art! On the anniversary of the death of Andre Breton by Alan Woods (September 29, 2005) ننشر هنا الترجمة العربية للمقال الهام للكاتب الماركسي، آلان وودز، عن الفن من وجهة نظر ماركسية، والذي صاغه بمناسبة الذكرى السنوية لوفاة الفنان السريالي الثوري، أندري بريتون * . في هذا اليوم، 28 شتنبر نخلد ذكرى موت أندري بريتون (André Breton) الذي يعتبر واحدا من أهم ممثلي الفن السريالي. لقد حاول بريتون جاهدا ربط الفن بالسياسة الثورية، وتعاون لفترة مع الزمن مع ليون تروتسكي. واليوم حيث توجد الرأسمالية في مأزق لا مخرج منه، وحيث بلغ انحطاطها حدوده القصوى، تصيب أزمة هذا النظام جميع جوانب الحياة وكل مظاهرها. فقوى الإنتاج جامدة، ملايين البشر محكوم عليهم بالبطالة والتشغيل المحدود(sous-emploi)، واللامساواة ترتفع إلى مستويات غير مسبوقة. وليست الحروب والإرهاب ظواهر استثنائية بل صارت هي القاعدة. وقد بدأت حتى بعض عناصر البربرية تظهر في البلدان الأكثر ازدهارا و"حضارة"، كما رأينا ذلك في نيو أورليانز. إن بقاء النظام الرأسمالي يهدد بتدمير أسس الحضارة والثقافة. كيف يمكن للفن ألا يتأثر بهذا؟ وهكذا فإن فكرة ربط الفن بالثورة- التي كان بريتون وتروتسكي في مقدمة المدافعين عنها- تحتفظ الآن بكل صحتها وآنيتها. تنتج السريالية نظرة متناقضة (غير منطقية) عن الواقع. إنها تسعى إلى التعبير عن عناصر العنف والوحشية الكامنة تحت الطلاء الباهت للحضارة البرجوازية. ليست سلوكات المجتمع البرجوازي المتأنقة و"ذوقه الرفيع" سوى واجهة تختبئ ورائها أفظع الآلام والاستغلال والقمع. السريالية تمزق هذا القناع المنافق وتفضح الحقيقة الفضيعة المثيرة للاشمئزاز التي يغطيها. والمفارقة هي أن الرجل الذي ارتبط اسمه أكثر بهذه المدرسة الثورية: سلفادور دالي، كان مدافعا ذليلا عن الجمود، كان رجلا يمينيا معجبا بهتلر وفرانكو، ملكيا وعبد الطبقات السائدة. وعلى الطرف النقيض كان لويس بونويل (Louis Buñuel) ثوريا حقيقيا، تعرض للعقوبة لأنه أخرج فيلما ملحدا، فسارع دالي للتبرؤ منه، مما جعل بونويل يشكره ببعض اللكمات. على عكس دالي، كان بونويل ضد الطبقة السائدة، ضد الدين وضد الكنيسة. لقد كان، من الناحية السياسية، قريبا من الفوضوية، التي ربما، أفكارها هي التي تعكس بشكل أفضل وجهة النظر السريالية. لكن مع بيرتون اقتربت السريالية من الماركسية أيضا. سنة 1937، كتب، مع تروتسكي، "بيان من أجل فن ثوري مستقل". لا يزال يحتفظ بكل راهنيته لحد الآن. هناك عنصر آخر في السريالية: هو فكرة أن كل شيء في تحول، لا شيء مستقر، كل شيء متغير. لهذا نجد أن الموت والتحول (métamorphose) يحتلان عندها مكانة مركزية. نكتشف هنا وجود فكرة جدلية في جوهرها: فكرة التغيير الدائم الذي بواسطته كل شيء يتحول إلى نقيضه، لا شيء كما يبدو في الظاهر. وكل شيء يحتوي داخله التناقضات. ليس من قبيل المصادفة أن تزدهر السريالية في الأراضي الكاثوليكية: اسبانيا، فرنسا، ايطاليا. فمن المعروف أن التزمت الكاثوليكي ينتج نقيضه على شكل حركات جبارة معادية للكنيسة. فجميع الانتفاضات الثورية الكبرى، التي عرفتها هذه البلدان، كانت مصاحبة دائما بموجات من التحركات المعادية للكنيسة. إن ظاهرة من هذا القبيل، لم تكن لتزدهر في البلدان البروتستانتية لأوروبا الشمالية، حيث صفت البرجوازية، منذ قرون عديدة مضت، الحساب مع الكنيسة الكاثوليكية. فقد قضى منطق البرجوازية البارد، منذ وقت طويل على ظلامية الكنيسة اللاعقلانية. لكن في بلدان جنوب أوروبا لا يزال من الضروري القضاء على هذا الصنم. تسعى السريالية، وكما يشير إلى ذلك اسمها إلى النظر إلى ما فوق مظاهر الأشياء، من أجل استكشاف كنهها. وعلى العكس من ذلك، يكتفي العقل الشمال أوروبي البارد، المفتقد للخيال، المقولب بتقليد طويل من الفكر التجريبي، بما هو معطى «بالأشياء كما هي». غير أن «الأشياء كما هي» غالبا ما تكون مختلفة عما تبدو عليه. نعم إن عالم السريالية عالم غريب، حيث الأشياء والعلاقات "العادية" مقلوبة رأسا على عقب. لكن في الواقع، الرأسمالية هي التي تحول جميع العلاقات الطبيعية إلى نقيضها. إن التناقضات واللاعقلانية مكونات بنيوية لهذا النظام. إن الفن السريالي يستطيع التعبير بشكل جيد عن هذه التناقضات، لكن هذه التناقضات لا يمكن حلها، في الواقع، إلا بالثورة الاشتراكية. ما هو دور الفنان في عصرنا؟ من الأسهل أن نقول ما ليس هو دور الفنان. ليس دور الفنان أن يبقى على الحياد، في الوقت الذي تخاض فيه المعارك الكبرى التي ستقرر مستقبل الإنسانية. لا يمكن للفن الذي ينفصل عن المجتمع والذي لا يبالي بمصيره أن يتطلع إلى المجد. إن فنا من هذا القبيل ليس في مستطاعه سوى أن يتمرغ في مستنقعات التاريخ وحضيضه. لن يصل أبدا إلى القمم. يجب على الفن العظيم أن يهتم بالقضايا العظمى. لا يمكن للفنان الحقيقي ألا يبالي بمصير الرجال والنساء الآخرين. إن الخاضعين والموافقين على كل شيء الذين يكتفون بأن يتبعوا، مثل الغنم، آخر صيحات الموضة، لا يمكنهم أبدا أن ينتجوا فنا أو أدبا عظيما. على الفن مسؤولية الاحتجاج بقوة وشجاعة ضد جميع مظاهر الاضطهاد، الاستغلال، الكذب والنفاق. يجب عليه أن يشير إلى إمكانية تحقيق حياة أفضل في عالم أفضل. ليس هنالك من مشكلة كبيرة في أن تكون الرسالة مفتقدة للوضوح، وغير مكتملة وناقصة، وألا تتناول إلا هذا الجانب أو ذاك من الأشياء. فالفن ليس هو العلم أو السياسة. إن لديه هويته الخاصة ويتكلم بصوته الخاص به. فمع تبنيه لموقف مهتم بالمشاكل التي تواجه الإنسانية، يجب عليه دائما أن يبقى وفيا لنفسه. يمكن أن يكون الفن ملتزما وثوريا دون أن يتحول إلى مجرد دعاية خالصة. يجب أن يكون الفن متحررا من جميع الاكراهات. يجب أن لا يعترف بأي سيد سواء كانت الكنيسة أو الدولة أو الرأسمال الكبير. يجب أن يكون الفنان حرا في إتباع مشاعره الخاصة ومعتقداته الخاصة. إن مثل هذه الحرية الفنية مناقضة للنظام الرأسمالي حيث تقرر الابناك والاحتكارات، لما فيه مصلحة الربح، في كل شيء ابتداء من إنتاج الأقمصة إلى الرسم والموسيقى وكذلك الأدب. لن يصبح الفن حرا إلا في ظل مجتمع يكون فيه جميع الرجال وجميع النساء أحرارا، حيث ستُعوض علاقات المال بعلاقات إنسانية حقيقية: أي في ظل الاشتراكية. في ظل مجتمع مبني على التخطيط المتوازن والديمقراطي لقوى الإنتاج، سيتمكن الرجال والنساء أخيرا من التحكم بعقلانية في مصيرهم. عندها فقط سيفقد الفن ميزات العبودية وسيرتقي إلى مكانة الفن الإنساني. للفن في مجتمع طبقي، طابع طبقي. يميل إلى الانفصال عن المجتمع، ويعتبره أغلبية الناس شيئا غريبا ومفارقا. من أجل تدمير سور الصين العظيم الذي يفصل الفن عن المجتمع، يجب أولا القضاء على الأسس المادية لهذا الاستلاب. كتب تروتسكي في أحد المرات قائلا:« كم هناك من أرسطو يرعون الخنازير؟ وكم من رعاة الخنازير جالسون فوق العروش؟» فعبر القضاء على الحدود بين العمل اليدوي والعمل الذهني، سترفع الاشتراكية، بشكل نهائي، العائق الذي يمنع الشعب من الوصول إلى الفن والعلم والثقافة والحكم. سيفتح هذا عصر نهضة جديد سيخطف الأضواء عن جميع منجزات أثينا القديمة وفلورنسا القرنين 15 و16. تطور الفن وازدهاره يتناقض مع كل أشكال ضيق الفكر، بما فيه ضيق الفكر القومي. لقد كانت السريالية تيار أمميا حقيقيا. يعكس وجود مشاعر ومشاكل مشتركة للعالم بأسره. إنها كانت استباقا لما ستكون عليه الثقافة والفن العالميين في ظل الاشتراكية. منذ وقت طويل و التراث الثقافي الأوروبي يعيش في مأزق، مما يعكس الأفول الطويل للرأسمالية الأوروبية، في مواجهة خصوم أكثر شبابا وأكثر حركية منها. لم يعد للعالم القديم أي شيء مثير للاهتمام ليقوله. وكما توقع تروتسكي، فبعدما تحول مركز التاريخ من البحر المتوسط إلى المحيط الأطلسي فإنه ينتقل الآن من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي، حيث سيقرر مصير العالم بأسره. إن الحدود القديمة، التي تقسم الجسم الحي للإنسانية، قد فقدت منذ وقت طويل كل ضرورتها التاريخية. لقد صارت تشكل الآن عائقا أمام التطور البشري، مثلما كانت عليه الحدود المحلية الفيودالية في الماضي. لقد حان الوقت لكي يتم كنسها، وسوف يتم كنسها. إن هذا يكتسي ضرورة خاصة في حالة أمريكا اللاتينية، هذه القارة الرائعة، التي تمتلك كل ما هو ضروري لخلق جنة فوق الأرض، لكنها تعرضت للتقسيم وفرض عليها الاستعباد طيلة قرنين من السيادة الرأسمالية. في ظل عالم اشتراكي، سوف تشكل عبقرية شعوب أمريكا اللاتينية مكونا أساسيا للثقافة العالمية، وسيعرف التراث العظيم للمايا والأزتيك والإنكا وجميع شعوب القارة الأخرى نهضة جديدة وسترتفع إلى مستوى نوعي أعلى. كيف ستكون طبيعة الفن في المجتمع الاشتراكي؟ من المستحيل أن نقول، كما أنه لا يجب علينا أن نعطي الدروس للأجيال المستقبلية. سوف ينضبط الفن دائما لقوانينه الخاصة والداخلية، التي لا تنضبط لأي نظرية مسبقة، لكنها تعكس حاجيات وتطلعات كل جيل. لكن بإمكاننا أن نكون متأكدين من شيء واحد هو أن الفن لن يفتقر آنذاك إلى التنوع. سوف تتبارى مئات التيارات الفنية فيما بينها وتتنافس، في مدرسة رائعة للديموقراطية، التي سينخرط فيها، ليس فقط حفنة من المتبجحين، بل ملايين الأشخاص. وستنبع من ذلك ثقافة جديدة ومتفوقة على كل ما وجد حتى الآن. من أجل هذا المستقبل نناضل. وفي هذا النضال يجب على الفنانين المعاصرين أن يحتلوا مكانهم: على جبهة النضال من أجل الاشتراكية. ونورد في الختام، استشهادا من بيان بريتون- تروتسكي: «أهدافنا: استقلالية الفن من أجل الثورة. والثورة من أجل التحرر التام للفن!». عنوان النص بالفرنسية : Pour un art revolutionnaire ! * : كاتب وشاعر فرنسي، وأهم منظري التيار السريالي. ولد يوم 28 فبراير 1896 وتوفي في 28 شتنبر 1966. انتمى إلى الحزب الشيوعي الفرنسي سنة 1927 وطرد منه سنة 1933. تعاون مع تروتسكي لفترة من الزمن، حيث كتبا معا: "بيان من أجل فن ثوري مستقل". ومع صعود حكومة فيشي الفاشستية في فرنسا لجأ إلى المارتينيك ثم أمريكا سنة 1941 ثم كندا، ليعود سنة 1946 إلى باريس.