التيار الماركسي الأممي: موضوعات حول أزمة المناخ Share Tweetيمثل تغير المناخ تهديدا هائلا للبشرية، وقد حفز، خلال الفترة الأخيرة، احتجاجات ضخمة (خاصة بين صفوف الشباب). وحده التغيير الاشتراكي للمجتمع، مع ما يتضمنه من تخطيط ديمقراطي للإنتاج من قبل الطبقة العاملة في انسجام مع الكوكب، هو ما سيمكن من إنهاء خطر تغير المناخ. لقد كتبنا، نحن التيار الماركسي الأممي، هذه الوثيقة لنشرح برنامجنا الثوري بخصوص أزمة المناخ. تمت صياغة هذه الوثيقة قبل اندلاع الجائحة لنقاشها خلال المؤتمر العالمي للتيار الماركسي الأممي لعام 2020، وقد تم تحديثها الآن في بعض المواضع على ضوء الأحداث الأخيرة.[Source]1) يتركز اهتمام العالم كله في الوقت الحاضر على مكافحة جائحة كوفيد 19. لكن عندما سينحسر هذا الخطر (إذا انحسر)، سيلوح تهديد وجودي آخر -أكبر-، هو خطر تغير المناخ.2) الغابات المطيرة تحترق. وتجتاح حرائق الغابات جميع أنحاء أستراليا وكاليفورنيا. الفيضانات تدمر إندونيسيا وبنجلاديش. جزر بأكملها ومناطق ساحلية تغرق بسرعة. ويخلق الجفاف والمجاعات نزوحا هائلا للاجئين. موجات الحر في أوروبا تقتل الآلاف كل صيف. وتختفي أنواع كثيرة من الكائنات من الكوكب كل يوم. ليست أزمة المناخ مشكلة افتراضية متعلقة بالأجيال القادمة، إنها موجودة هنا والآن.3) لمواجهة ذلك خرجت حركات جماهيرية للطلاب والشباب إلى الشوارع في جميع أنحاء العالم. جاء في إحدى اللافتات التي رفعت في لندن: “إن المحيطات تهيج، وكذلك نحن”. وقد شارك الملايين في تلك الاحتجاجات العالمية. في شتنبر 2019 شارك حوالي ستة ملايين شخص في إضرابات “أيام الجمعة من أجل المستقبل” المناخية العالمية. وشهدت العديد من المدن في الولايات المتحدة وكندا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا مظاهرات لمئات الآلاف.4) إن الرأسمالية تقتل الكوكب. هذا هو الاستنتاج الذي توصل إليه العديد من النشطاء وهم محقون في ذلك. ومن هنا جاءت المطالب التي رفعت على نطاق واسع في الإضرابات المناخية: “تغيير النظام، وليس تغير المناخ”؛ و”الكوكب قبل الربح”. إن النظام الرأسمالي -بسعيه الحثيث لتحقيق الربح- هو المسؤول عن تدمير البيئة، والقضاء على النظم البيئية، وتلويث الهواء الذي نتنفسه والمياه التي نشربها.5) في ظل الرأسمالية الشركات الكبرى هي التي تقرر ما يتم إنتاجه وكيف يتم إنتاجه. لكن هذا لا يتم وفقا لأي خطة. وبدلا من ذلك فإن اقتصادنا متروك لما يسمى بـ “اليد الخفية”، أي لفوضى السوق. ستقوم الشركات بتقليص المصاريف وكسر القوانين حيثما كان ذلك ضروريا لتقليل التكاليف، والتفوق على المنافسين، والاستيلاء على أسواق جديدة، وتعظيم الأرباح. لكن هذا السباق نحو القاع ليس نتيجة لأرباب عمل “جشعين” فقط، إنه النتيجة المنطقية للقوانين الاقتصادية للرأسمالية: نظام قائم على الملكية الخاصة والمنافسة والإنتاج من أجل الربح.6) حجم المشكلة هائل. تقترح الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، التابعة للأمم المتحدة، أنه يجب تخفيض الاحترار العالمي بـ 1,5 درجة مئوية لتجنب الكارثة البيئية. ولتحقيق ذلك يجب تخفيض إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 45% بحلول عام 2030، والوصول إلى مستوى صفر بحلول عام 2050. وعلاوة على ذلك يتوجب اتخاذ تدابير واسعة النطاق للتكيف والتخفيف، مثل بناء الدفاعات ضد الفيضانات وإعادة التشجير… ويقدر أن كل هذا سيتطلب أكثر من 02 تريليون دولار من الاستثمارات الإضافية في جميع أنحاء العالم كل عام؛ أي حوالي 2,5% من الناتج الإجمالي العالمي.7) العلم والتكنولوجيا الضروريين لتحقيق ذلك موجودان. يمكن إزالة الكربون من شبكات الكهرباء باستخدام طاقة الرياح والطاقة الشمسية والمد والجزر. ويمكن تحويل السيارات وأنظمة النقل إلى العمل بالكهرباء والبطاريات والهيدروجين. كما يمكن لتدابير توفير الطاقة أن تقلل إلى حد كبير من الطلب على الطاقة من طرف الأسر والصناعة. ويمكن خفض مستويات التلوث. وأيضا يمكن زراعة الغذاء بشكل مستدام. يمكن إعادة تدوير النفايات. ويمكن إعادة تشجير الغابات.8) لكن هذه الخطوات الحيوية تتطلب جميعها شيئين: التخطيط والموارد، وكلاهما لا يمكن للرأسمالية توفيره. إن أساس الإنتاج الرأسمالي ليس التخطيط لتلبية الاحتياجات الاجتماعية والبيئية، بل أساسها هو الملكية الخاصة والمنافسة، لتحقيق الأرباح لحفنة من الطفيليات غير المنتخبة وغير الخاضعة للمساءلة.9) وعلاوة على ذلك من أين ستأتي الأموال، في ظل الرأسمالية، لدفع ثمن التغييرات الجذرية المطلوبة؟ الاقتصاد العالمي يغرق في الديون في أعقاب ركود عام 2008 وعقد من التقشف والكساد العميق الجديد الذي تسببت فيه الجائحة. جدول أعمال الرأسمالية يتضمن المزيد من الاقتطاعات وليس الاستثمار. ومعالجة أزمة المناخ هي الآن آخر ما يدور في ذهن الطبقة السائدة.10) إن الرأسماليين لن يستثمروا في الإجراءات المطلوبة وذلك لسبب بسيط هو أنه ليس من المربح لهم القيام بذلك. بل الواقع هو أن التكنولوجيات مثل الطاقة المتجددة، التي يمكنها أن تحقق وفرة من الكهرباء الخضراء النظيفة والرخيصة، تتعارض بشكل جوهري مع دافع الربح ونظام السوق.11) فعلى سبيل المثال أدى الدعم العمومي لقطاع الطاقات المتجددة إلى شل أسواق الكهرباء العالمية. فقد أدى دخول كميات ضخمة من إمدادات الكهرباء النظيفة والرخيصة، إلى تخفيض الأسعار، مما جعل من غير المربح استمرار تشغيل محطات توليد الطاقة التي تعتمد على الفحم والغاز. أدى ذلك إلى انخفاض حاد في الاستثمارات الخاصة في قطاع توليد الطاقات المتجددة. لكن الأسر لم تستفد من أي تخفيض في الفواتير، لأن الإعانات الحكومية وجهت لدعم شركات الطاقة الرأسمالية الكبرى. وبعبارة أخرى لا يمكن للرأسمالية حل المشكلة، الرأسمالية هي المشكلة.12) يتلخص كل شيء في سؤال بسيط: من يدفع الثمن؟ الثروة موجودة، لكنها تقبع خاملة في الحسابات المصرفية للشركات الكبيرة، وتبذرها القوى الإمبريالية على وسائل التدمير. فقط 10 شركات أمريكية عملاقة، على سبيل المثال، تكدس أكثر من 1,1 تريليون دولار نقدا. ويبلغ إجمالي الإنفاق العسكري في جميع أنحاء العالم 1,8 تريليون دولار في السنة. لذلك فإنه، في ظل الرأسمالية، لا تتحمل الطبقة العاملة والفقراء والفئات الأكثر هشاشة الثقل الأكبر لآثار تغير المناخ فحسب، بل وكذلك تقع على أكتافهم تكاليف تجنب الكارثة البيئية، في شكل ارتفاع للأسعار وضرائب الكربون والتقشف.13) الشابة السويدية، مؤسسة حركة أيام الجمعة من أجل المستقبل، غريتا ثونبرغ، صارت وجه وصوت حركة الإضرابات المناخية العالمية. وفي خطاباتها إلى حشود من “قادة العالم” في منتديات دافوس وقمم الأمم المتحدة، حذرت من أن “منزلنا يحترق“. وقالت لذلك الجمهور من النخبة: “أريدكم أن تصابوا بالذعر”، “وتتصرفوا”. إلا أن مناشداتها للسياسيين لاتخاذ إجراءات عاجلة وقعت على آذان صماء.14) لكن هذا الجمود الذي نراه في القمة لا يرجع ببساطة إلى غياب الإرادة السياسية. إن السياسيين الرسميين ليسوا سلبيين بخصوص هذه المسألة بسبب افتقرهم للعزيمة، بل لأن هدفهم الأساسي هو الدفاع عن النظام الرأسمالي، وليس مستقبل البشرية أو الكوكب.15) أشارت ثونبرغ إلى أنه يتم تجاهل العلماء، وطالبت الحكومات بالاستماع إلى الأدلة والنصائح العلمية. لكن الرأسماليين وممثليهم السياسيين لن يقتنعوا بالحجج الأخلاقية، ولا بالحقائق والأرقام التي يمكنهم الوصول إليها بسهولة. وفي النهاية لن يفعلوا أي شيء لحماية الأرض، حيث أن هدفهم الوحيد هو زيادة الربح إلى أقصى حد على حسابنا نحن.16) لقد أعلنت بعض الحكومات بشكل رمزي “حالة طوارئ مناخية” في محاولة لاسترضاء الناخبين. لكن هذه عبارة فارغة عندما تخرج من شفاه هؤلاء السياسيين ممثلي الرأسماليين الكبار. وعلى أي حال ففي ظل الرأسمالية ليسوا هم الذين يقررون حقا، إن مصيرنا متروك لنزوات السوق.17) هناك حاجة لعمل عالمي لحل المشكلة العالمية، لكن الحكومات الرأسمالية عاجزة. يتم تنظيم الكثير من القمم حول مسألة المناخ وتوقيع الكثير من المعاهدات الدولية. لكن كل ذلك مجرد كلام فارغ. وحتى عندما يتم إبرام الاتفاقات والبروتوكولات، فإنها تبقى حبرا على ورق؛ ومقتضياتها غير ملزمة. وفي عهد ترامب، قامت الولايات المتحدة، التي تعتبر أكبر اقتصاد في العالم وأكبر متسبب في انبعاث الكربون، بالانسحاب من اتفاقية باريس لعام 2015، وتركتها جثة ميتة.18) أصل هذه المشكلة هو حاجز الدولة القومية، وكذلك حاجز الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج. ففي ظل الرأسمالية يتوجب على الحكومات الوطنية أن تخدم، في نهاية المطاف، مصالح الطبقة الرأسمالية الخاصة بها. والرأسماليون، مثلهم مثل عصابة من القراصنة، قد يتمكنون من التعاون فيما بينهم لبعض الوقت، طالما هناك ما يكفي مما يمكن نهبه. لكن بمجرد أن تقل الغنائم، يسارع هؤلاء اللصوص لذبح بعضهم البعض. وفي هذه المرحلة التي تشهد تنامي الحمائية والأزمة الرأسمالية، تحاول كل حكومة تصدير مشاكلها إلى مكان آخر، مما يؤدي إلى سياسة “رمي الأزمة على الجار”، والاضطرابات الجيوسياسية، وانهيار التعاون بخصوص القضايا العالمية.19) في مواجهة هذا العجز، خرج نشطاء الإضراب المناخي إلى الشوارع بشكل جماهيري ليحتلوا الطرق ويغلقوا المدن في محاولة لإجبار السياسيين على التحرك واتخاذ إجراءات. وقد دخل الملايين من الطلاب والشباب في جميع أنحاء العالم إلى النشاط السياسي لأول مرة في حياتهم، مطالبين باتخاذ إجراءات فورية وإحداث تغيير عميق.20) لقد ملأت هذه التعبئة الجيل الجديد بشعور من الثقة والقوة وأعطته هدفا. وبالنسبة لأولئك المحتجين صارت فكرة العمل الجماهيري الكفاحي هي القاعدة الآن وليس الاستثناء. وأصبحت كلمة “إضراب” الآن راسخة في عقول الشباب.21) لقد استنتج العديد من النشطاء بشكل صحيح أن التعبئة الجماهيرية أمر حيوي. لكن علينا أيضا أن نتعلم الدروس التي راكمتها الحركة حتى الآن، وأن ندرك حدودها. إن احتجاجات الشوارع وإضرابات الطلاب غير كافية. يحتاج نشطاء المناخ إلى الارتباط بالطبقة العاملة المنظمة والنضال من أجل تغيير سياسي جذري.22) إن فكرة التعبئة الجماهيرية والعمل الكفاحي والتغيير العميق خطوة هائلة إلى الأمام مقارنة بالنشاط البيئي الفردي الذي كان يحدث في الماضي. لكن وفي ظل غياب قيادة ثورية واضحة وثابتة، يبقى شبح تلك النزعة البيئوية الليبرالية البرجوازية الصغيرة القديمة قائما يهدد الحركة. ويتجلى هذا بشكل ملحوظ في عدد كبير من الأفكار الغريبة، مثل “تقليص النمو” و”معاداة الاستهلاك”، التي تتفاقم داخل الحركة، والتي غالبا ما تهيمن على النقاشات وتثلم راديكالية الطلاب المضربين.23) كل هذه الأفكار هي، في جوهرها، مجرد صدى للأفكار الرجعية التي طرحها الاقتصادي توماس مالتوس أوائل القرن التاسع عشر، والذي أكد أن المجاعة والفقر والمرض والوفيات على نطاق واسع، جميعها نتيجة “للاكتظاظ السكاني”. واليوم تعود تلك الفكرة نفسها لتظهر ليس فقط في شكل عبارات من قبيل: “هناك الكثير من الناس” و”الكثير من الأفواه لإطعامها”، بل أيضا في شكل “نحن نعيش فوق إمكانياتنا” و”جميعنا نستهلك الكثير”، وبعبارة أخرى فإن الناس العاديين -وليس النظام- هم المسؤولون عن الأزمة البيئية.24) سبق لفريدريك إنجلز أن رد على مالتوس منذ مدة طويلة. كتب إنجلز: «لا يتم إنتاج ما يكفي، هذا هو أصل المسألة برمتها. لكن السؤال هو لماذا لا يتم إنتاج ما يكفي؟ ذلك ليس لأن حدود الإنتاج -حتى اليوم وبوسائل اليوم- قد استُنفذت. كلا، بل لأن حدود الإنتاج لا يتم تحديدها من خلال عدد البطون الجائعة، بل من خلال عدد الجيوب القادرة على الشراء والدفع. إن المجتمع البرجوازي لا يرغب ولا يمكنه أن ينتج المزيد. أما البطون التي لا تمتلك المال، والعمل الذي لا يمكن استخدامه لإنتاج الربح وبالتالي لا يمكن شراؤه، فتُترك لإحصائيات الوفيات».25) كما أن تنبؤات مالثوس المروعة قد اتضح خطأها تجريبيا، حيث مكن التقدم في التقنية الزراعية من تغذية أعداد أكبر من السكان، بنوعية غذائية أعلى. وبالمثل توجد اليوم بالفعل تقنيات لإنتاج المزيد من الغذاء دون التسبب في التدهور البيئي والدمار المرتبطين بالنظام الرأسمالي. إن المشكلة -كما لاحظ إنجلز- هي أن الرأسمالية لا يمكنها الاستفادة من هذه القوى الإنتاجية بشكل مربح.26) وبطبيعة الحال فإن المدافعين عن الرأسمالية يؤيدون هذه الترهات المالتوسية الجديدة، حيث يقترحون أنه علينا أن نتكاتف معا ونتخذ خيارات فردية “أخلاقية” -بأن نكثر من إعادة التدوير؛ ونقلل من السفر بالطائرات؛ ونتحول إلى نباتيين، وما إلى ذلك- كحل للأزمة البيئية. إذ أن التركيز على الإجراءات الفردية وعلى خيارات نمط الحياة الشخصية مفيد جدا للطبقة السائدة، حيث يصرف أنظار الناس العاديين عن المهمة الحقيقية المطروحة، والتي هي: إحداث تغيير جوهري للمجتمع على أسس اشتراكية.27) إن “الحلول” التي تنبع من هذه الخيارات رجعية تماما. فهي، من حيث الجوهر، مجرد “غلاف أخضر” لسياسة التقشف، إذ تقول للعمال والفقراء بأنه يجب عليهم شد أحزمتهم لحل مشكلة خلقها الرأسماليون ونظامهم الفاسد.28) علينا أن نطرح على “مناهضي الاستهلاك” سؤالا بسيطا للغاية وهو: من الذي يستهلك كثيرا؟ هل ملايين أسر الطبقة العاملة في ما يسمى بالعالم “المتقدم” الذين هم مجبرون على أن يختاروا بين التدفئة والطعام؟ هل الجماهير في ما يسمى بالعالم “النامي” الذين يكافحون من أجل إطعام أسرهم؟ هل العمال والفقراء في جميع أنحاء العالم الذين يعيشون الفاقة في خضم الوفرة؟29) في الواقع تظهر الإحصائيات أن الفرد الواحد المنتمي إلى 1% من أثرياء العالم مسؤول عن 175 ضعف من انبعاثات الكربون أكثر من الفرد المنتمي إلى تلك 10% من الموجودين في القاع. كما أن نصف سكان العالم الفقراء لا يساهمون إلا بنحو 10% فقط من إجمالي الانبعاثات المرتبطة بالاستهلاك، مقارنة بنسبة 50% التي يساهم بها 10% من سكان العالم الأكثر غنى. هذا “التفاوت في الانبعاثات” ليس إلا انعكاسا للتفاوتات الاقتصادية الرهيبة التي تكمن في طبيعة الرأسمالية.30) العمال ليسوا أغبياء. يمكنهم أن يروا نفاق الأنظمة والمتحدثين السياسيين باسمها والذين يطلبون من الناس العاديين “تقديم تضحيات” من أجل الكوكب. في حين أن النخبة الرأسمالية الغنية يعيشون على كوكب آخر مختلف تماما، حيث يراكمون كميات فاحشة من الثروة ويحلقون في طائرات خاصة. ومن هنا جاءت الاحتجاجات الجماهيرية للسترات الصفراء، في فرنسا، ضد محاولات إيمانويل ماكرون تحميل العمال أداء ضرائب أعلى على الوقود؛ أو تلك الحركات الجماهيرية التي شهدتها مؤخرا العديد من البلدان المستعمَرة سابقا ضد سياسة إلغاء دعم الوقود التي فرضها صندوق النقد الدولي.31) يجب على الاشتراكيين أن يعارضوا جميع هذه التدابير، بما في ذلك ما يسمى بـ “ضرائب الكربون”. عادة ما تقع هذه الضرائب على عاتق الأسر وليس على عاتق الشركات التي تحول العبء إلى أكتاف الطبقة العاملة والفقراء. إن هذه الضرائب رجعية وتراجعية. كما أنها، على أي حال، لا تحل أزمة المناخ، بل هي مجرد إجراء تقشفي آخر. إننا نقف إلى جانب متظاهري حركة السترات الصفراء، ونطالب بأن يفرض على الرأسماليين -وليس الطبقة العاملة- دفع ثمن هذه الأزمة.32) إلقاء اللوم على “النزعة الاستهلاكية” و”النمو” مجرد خداع. لا ينتج الضرر البيئي عن التصنيع أو النمو، بل عن الطريقة التي يتم بها تنظيم الإنتاج والتحكم فيه في ظل الرأسمالية. إن المنافسة ودافع الربح عوض أن يوفرا الكفاءة يؤديان إلى سباق نحو القاع، مما يخلق مستويات هائلة من التبذير والتلوث. تعمل الشركات على تخفيض أمد حياة المنتجات من أجل أن تتمكن من بيع المزيد. وتحاول صناعة الإعلانات الضخمة إقناعنا بشراء أشياء لا نحتاجها. وتقوم شركات، مثل فولكس فاغن، بالغش بشكل ممنهج وخرق القوانين البيئية من أجل خفض التكاليف وزيادة الأرباح.33) المشكلة هي دافع الربح وليس النمو الاقتصادي في حد ذاته. إننا نعيش داخل نظام اقتصادي يعتمد على الاستهلاك المستمر للسلع والجري الدائم نحو مراكمة الأرباح. لا ينتج الرأسماليون من أجل تلبية الاحتياجات، بل لتحقيق الأرباح. ولذلك فإنه إذا لم يتم بيع السلع تعمل الشركات والصناعات على إغلاق أبوابها ويفقد ملايين العمال وظائفهم.34) هذا هو السبب في أن الدعوات التي تطلقها بعض مكونات حركة الخضر من أجل “صفر نمو” و”تخفيض النمو” هي دعوات رجعية. يسمى “صفر نمو” في ظل الرأسمالية بالركود، والطبقة العاملة والفقراء هم الذين يجبرون على دفع الثمن. وليس مطلب “تخفيض النمو” من حيث الجوهر إلا دعوة للكساد الدائم والتقشف الدائم.35) نظرية “تخفيض النمو” خاطئة من أساسها، وضارة بشكل كبير. يجب أن يركز السؤال على الإنتاج وكيف ننتج، وليس على الاستهلاك و”خيارات المستهلك”. ما فائدة حملات المقاطعة الفردية في مواجهة الخراب وفوضى السوق؟ نحن بحاجة إلى خطة إنتاج عقلانية ورقابة ديمقراطية على الاقتصاد وليس إلى المقاطعة الفردية و”الاستهلاك الأخلاقي”.36) كيف سيكون ممكنا تقليل استهلاكنا الجماعي، حتى لو أردنا ذلك كمجتمع، طالما أن الإنتاج في ملكية الطبقة الرأسمالية وتحت سيطرتها وقرارها بشكل كامل؟ كيف يمكننا تقليص صناعة اللحوم؟ من الذي سيقرر ما الذي يتم إنتاجه وكميته؟ إن مجرد طرح مثل هذه الأسئلة يدل على عبثية هذه النزعة البيئة الفردية، والطبيعة الرجعية للمالتوسية بجميع أنواعها.37) لقد فضحت أزمة كوفيد 19 بشكل كبير حدود هذه المقاربة الفردية الرجعية المالتوسية الجديدة. الاقتصاد العالمي كله توقف. الطائرات لا تطير والشوارع خالية، وانهار الطلب على النفط، كما انخفض استهلاك الأسر. كانت النتيجة هي أن انبعاثات الكربون العالمية من المقدر أن تنخفض بنسبة 8% هذا العام. ومع ذلك فإنه من أجل تخفيض الاحتباس الحراري بـ 1,5 درجة مئوية، من الضروري الحفاظ على هذا المستوى نفسه من خفض الانبعاثات كل عام طيلة العقد المقبل.38) يمكننا بالتالي أن نرى الحدود الرجعية لإيديولوجية “تخفيض النمو”. وكما يظهر الشلل الذي تسببت فيه الجائحة، فإنه في ظل الرأسمالية لا يمكن تحقيق مثل هذه التغييرات الكبيرة إلا بطريقة فوضوية تماما، على حساب إغراق الاقتصاد في كساد حاد مع ما يصاحب ذلك من بطالة جماهيرية وفقر ومجاعة. وحتى تلك التغييرات بالكاد تلامس سطح ما هو ضروري. من الواضح أن هناك حاجة إلى تحويل ممنهج للإنتاج ولمجمل تنظيم المجتمع، من أجل الحد من الانبعاثات بالمستوى المطلوب.39) إن المطلوب ليس إحداث تغييرات في أسلوب الحياة الشخصية، أو تقليص الاستهلاك الفردي، أو الانحدار إلى شكل أكثر بدائية من الإنتاج (ما يسمى بخفض التصنيع). هناك من الموارد المنتجة بالفعل ما يكفي لكل شخص على هذا الكوكب ليعيش حياة مريحة وكريمة. فإذا تم توزيعها بطريقة عقلانية ومنصفة، سيكون هناك ما يكفي للجميع دون أي إنتاج إضافي أو هدر. إن المطلوب هو تغيير اقتصادي ممنهج وجوهري وأممي.40) في ظل الرأسمالية يمكن للتكنولوجيات والتقنيات التي يتم إدخالها لزيادة الإنتاجية أن تنقلب إلى نقيضها وأن تدمر إمكانات النمو بالكامل. ويمكن ملاحظة ذلك من خلال التطورات الأخيرة في الزراعة، حيث أدى الاستخدام العشوائي للمبيدات الحشرية والأسمدة الاصطناعية إلى القضاء على أنواع عديدة من الحشرات وإفقار التربة وتلويث مصادر المياه. ويظهر ذلك على نطاق أوسع من خلال الطريقة التي تتسبب بها الصناعة ووسائل النقل في التلوث وانبعاثات الكربون، مما يؤدي إلى تدمير الطبيعة التي يعتمد عليها، في نهاية المطاف، المجتمع البشري بأسره.41) يعتبر هذا تأكيدا لما شرحه ماركس في كتاب رأس المال، عندما يناقش طبيعة الإنتاج الزراعي في ظل الرأسمالية، حيث قال: «كل تقدم في الزراعة الرأسمالية هو تقدم في فن، ليس فقط نهب العامل، بل نهب التربة أيضا. وكل تقدم في زيادة خصوبة التربة لفترة معينة، هو تقدم نحو تدمير المصادر الدائمة لتلك الخصوبة… الإنتاج الرأسمالي، بالتالي، يطور التكنولوجيا… فقط من خلال استنزاف المصادر الأصلية لجميع الثروات، أي: التربة والعامل».42) لا يوجد في هذا الموقف أي اعتراض على التكنولوجيا أو الصناعة، أو دفاع عن “خفض التصنيع”، بل هو موقف ضد الملكية الخاصة وفوضى السوق ودافع الربح. إنه موقف مدافع عن التخطيط الاشتراكي؛ لصالح استخدام العلم والتكنولوجيا لمصلحة الناس والكوكب، وليس لمصلحة أرباح قلة قليلة.43) إنها، باختصار، مسألة طبقية. من يملك؟ من يقرر؟ إن فوضى الرأسمالية تدمر البيئة. نحن بحاجة إلى التخطيط -بشكل عقلاني وديمقراطي- لكيفية استخدام موارد الكوكب؛ وما هي التقنيات التي نحتاجها لتطويرها واستثمارها. لكن وكما يقول المثل القديم: لا يمكنك التخطيط لما لا تتحكم فيه؛ ولا يمكنك أن تتحكم في ما لا تملكه.44) حاولت المنظمات والأحزاب السياسية الليبرالية، في العديد من البلدان، الاستيلاء على حركة المناخ واحتواءها وتحريفها عن مسارها، مما أدى إلى إضعاف المظاهرات وتشويه مطالبها. وغالبا ما وضعت المنظمات غير الحكومية، مثل السلام الأخضر، نفسها بطريقة بيروقراطية على رأس الحركة، ودعت إلى استراتيجية “الانفتاح على الجميع”. وفي الوقت نفسه سقطت مجموعات ناشطة مثل حركة “تمرد ضد الانقراض” (Extinction Rebellion) في نفس الفخ، حيث تدعو إلى منع تسييس الاحتجاجات وتناشد السياسيين من مختلف ألوان الطيف السياسي إلى “الجلوس إلى طاولة المفاوضات”.45) تكمن المشكلة في أن تغير المناخ هو قضية سياسية. الرأسماليون ونظامهم هم المسؤولون عن تدمير الكوكب. والارتباط بالأحزاب البرجوازية ومناشدة السياسيين الرأسماليين سياسة أسوأ من العبث، إنها سياسة ضارة، لأنها تضعف بشكل كبير برنامج الحركة وتدفع النشطاء إلى طريق مسدود. يدافع السياسيون الرسميون هؤلاء عن مصالح الطبقة الرأسمالية وليس عن احتياجات المجتمع والبيئة. يجب على الحركة ألا تضع أي آمال أو ثقة فيهم ولا في المنظمات غير الحكومية والليبراليين الذين يحاولون خداع مناضلي حركة المناخ الشباب الراديكاليين.46) لقد ازدادت نسبة التأييد لأحزاب الخضر في بعض البلدان على خلفية المخاوف البيئية المتزايدة وانتشار عدم الثقة في جميع الأحزاب التقليدية. لكن القادة الخضر ليسوا من حيث الجوهر إلا مجرد ليبراليين، لا يتحدون النظام ولا يرون انقسام المجتمع إلى طبقات متناقضة المصالح. ومثال الحكومة الائتلافية الجديدة بين المحافظين والخضر في النمسا معبر للغاية. يمكن تلخيص برنامجها المناهض للطبقة العاملة في مطلبين: تقليص الهجرة وتقليص الانبعاثات. وقد تسبب هذا في سقوط القناع “التقدمي” للخضر، وكشف عن وجههم الحقيقي القبيح.47) وفي الجانب الآخر تم اتخاذ خطوات إيجابية لربط قضية البيئة بالمطالب السياسية اليسارية. وعلى وجه الخصوص أصبح مطلب الخطة الخضراء الجديدة (GND) صرخة المعركة بالنسبة لليسار في الولايات المتحدة وبريطانيا. في أوائل عام 2019، على سبيل المثال، قدمت أليكسندريا أوكاسيو كورتيز مقترحا في واشنطن يدعو الحكومة الفيدرالية إلى الحد من انبعاثات الكربون من خلال الاستثمار في إمدادات الطاقة المتجددة وخلق فرص عمل خضراء. بل وأكثر من ذلك ففي مؤتمر 2019 لحزب العمال البريطاني تم تمرير مقترح لـ”صفقة اشتراكية خضراء جديدة” -على أساس الملكية العامة والرقابة الديمقراطية على الاقتصاد-.48) لكن شعار الخطة الخضراء الجديدة، هو في الواقع مجرد وعاء فارغ، يمكن ملؤه بأي محتوى يرغب المرء فيه. ويتضح هذا من خلال تلك المجموعة المتنوعة من الموقعين على الخطة الخضراء الجديدة، بمن في ذلك المرشحين الديموقراطيين اليمينيين للرئاسة مثل بايدن وبوتيجيج وكلوبوشار.49) ليست مقترحات الخطة الخضراء الجديدة الغامضة عموما سوى محاولة كينزية لإدخال نوع من التنظيم والإدارة على النظام الرأسمالي. لكن الواقع هو أنه من المستحيل تنظيم الرأسمالية وإدارتها. لا يمكن ترويض الرأسمالية وجعلها “خضراء”. وطالما بقي الاقتصاد قائما على الإنتاج من أجل الربح، فإن الشركات الكبيرة هي التي ستملي على الحكومات ما يجب فعله، وليس العكس. وباختصار فإن المطالب الكينزية للصفقة الخضراء الجديدة عوض “تغيير النظام” تسعى إلى إنقاذ النظام الرأسمالي من نفسه.50) أظهرت إحدى الدراسات الشهيرة أن 100 شركة كبيرة (معظمها شركات لإنتاج الوقود الأحفوري) مسؤولة عن أكثر من 70% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وقد تم الكشف في الآونة الأخيرة عن أن 20 شركة فقط مسؤولة عن إنتاج ثلث إجمالي ثاني أكسيد الكربون منذ عام 1965. وفي المقابل فإن الأسر في البلدان الرأسمالية المتقدمة غير مسؤولة سوى عن حوالي 3% إلى 10% فقط من النفايات في مكبات النفايات؛ والباقي ناتج بشكل رئيسي عن الأنشطة الصناعية الكبرى والبناء والتعدين.51) يسلط كل هذا الضوء على الجهة التي يجب إلقاء اللوم عليها فيما يخص أزمة البيئة. ويوضح الحل بوضوح: أي تحويل تلك الشركات والصناعات إلى الملكية العامة ووضعها تحت الرقابة الديمقراطية للعمال، وجعلها جزءا من خطة إنتاج اشتراكية عقلانية. عندها فقط سيمكننا تحقيق اقتصاد مستدام، حيث لا يتعارض ارتفاع مستويات المعيشة مع حماية الكوكب.52) تولد الاحتكارات الكبرى، في أيدي القطاع الخاص، مستويات فاحشة من النفايات والأضرار البيئية. لكن إذا تم تأميمها، بموجب خطة اقتصادية اشتراكية، سيمكنها استخدام التقنيات الخضراء الحديثة لخفض الانبعاثات والتلوث في غضون سنوات قليلة، وفي نفس الوقت توفير الغذاء الجيد والمأوى والتعليم والنقل والرعاية الصحية للجميع.53) من خلال الجمع بين أفضل العقول العلمية وبين مهارات العاملين في الصناعة، تحت الرقابة الديمقراطية للعمال، سيصير من الممكن وضع جميع القدرات والموارد التكنولوجية للمجتمع في خدمة البشرية وكوكب الأرض. تظهر خطة لوكاس التي طرحت خلال السبعينيات في بريطانيا حجم الإمكانات المتوفرة. آنذاك قام عمال منظمون من قطاع الصناعة العسكرية وصناعة الطيران بوضع اقتراح مفصل يوضح أنه يمكن إعادة تجهيز نفس المصانع والآلات والموظفين وإعادة استخدامهم لإنتاج تقنيات متجددة ومعدات رعاية صحية متطورة، بدلا إنتاج الصواريخ والأسلحة. في النهاية تعرض هؤلاء العمال للخيانة من طرف قادة حزب العمال والنقابات، لكن القدرة الخلاقة للطبقة العاملة على تخطيط الإنتاج ظهرت بوضوح.54) يوضح مثال خطة لوكاس إمكانية -وضرورة- إحداث “تحول مناخي”. لا يوجد ما يجعل من الانتقال إلى الصناعات الخضراء وإغلاق الصناعات الملوثة سببا في البطالة. يمكن إعادة تدريب العمال ويمكن إعادة تجهيز المصانع. إلا أن هذا يتطلب الملكية العامة ورقابة العمال وخطة إنتاج شاملة. لكن إذا تُرك الزمام لسلطة السوق، فإن توقف الصناعات القديمة سيؤدي بالضرورة إلى كارثة دائمة على الطبقة العاملة، كما يظهر في المناطق المنجمية السابقة في بريطانيا وحزام الصدأ في الولايات المتحدة.55) يؤكد هذا على ضرورة ارتباط الحركة البيئية بالحركة العمالية. في بعض البلدان قام مناضلو حركة المناخ بشكل صحيح بالتواصل مع نقابات العمال للحصول على الدعم. كما أن غريتا ثونبرغ نفسها قد حثت العمال في جميع أنحاء العالم على الانضمام إلى الطلاب في إضرابات عالمية. في بعض الأحيان أيدت بعض النقابات هذه الدعوة، ووعدت بالإضراب أو الاحتجاج إلى جانب النشطاء الشباب. هذا هو النهج الصحيح، إنها ليست قضية للشباب وحدهم، بل هي شيء يؤثر على جميع العمال.56) يجب أن تكون الطبقة العاملة المنظمة على رأس حركة النضال ضد تغير المناخ. لكن بعض المجموعات -مثل “تمرد ضد الانقراض”- تعمل بطريقة تتسبب في تهميش الحركة العمالية من خلال التركيز حصريا على استراتيجية العمل المباشر والعمليات ذات الصدى الدعائي. هدفهم هو “زيادة الوعي” من خلال جذب اهتمام وسائل الإعلام، وذلك غالبا عن طريق ربط أنفسهم بالمباني ووسائل النقل، أو إغلاق الطرق. بل وفي إحدى الحالات الفاشلة، فكر النشطاء في استخدام طائرات مسيرة لإجبار مطار هيثرو بلندن على الإغلاق. لكن لم يفكر أحد منهم في الاتصال بأعضاء النقابة داخل المطار، حيث كان الموظفون (بمن فيهم عمال حمل الحقائب والطيارون) يناقشون فكرة تنظيم إضراب. كان من شأن إضراب هؤلاء العمال أن يشل المطار، ويساعد على رفع وعي العمال وثقتهم في كل مكان، بشكل أكثر فعالية بكثير من السلوكيات غير المسؤولة لمجموعة “تمرد ضد الانقراض”.57) بدلا من هذه الممارسات التافهة وغير السياسية، تحتاج حركة المناخ إلى أن تبني نفسها على أساس التعبئة الجماهيرية للعمال والشباب حول مطالب اشتراكية واضحة. إن الطبقة العاملة عندما تكون منظمة ومسلحة ببرنامج اشتراكي تصير قوة لا يمكن هزمها. وكما يؤكد الماركسيون دائما لا يمكن لأي مصباح أن يضيء ولا لعجلة أن تدور إلا بإذن الطبقة العاملة.58) يتزايد بروز الحركات السياسية والاجتماعية اليسارية في جميع أنحاء العالم. وتتمثل المهمة في نقل كفاحية وراديكالية إضرابات المناخ الطلابية إلى الحركة العمالية الأوسع، بحيث يتم توحيد نضال العمال والشباب من أجل سياسات بيئية اشتراكية جريئة. يجب أن يتضمن برنامجها مطالب من أجل: تأميم شركات الطاقة الاحتكارية الكبرى وشركات الوقود الأحفوري وشبكات النقل ووضعها تحت الرقابة العمالية الديمقراطية، وانتزاع إمدادات الطاقة من أيدي المنتفعين وبارونات النفط. في ظل الملكية العامة سيمكننا توفير استثمارات ضخمة في الطاقات المتجددة والتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، وفي نفس الوقت خفض الأسعار لصالح المستهلكين. مصادرة مقاولات البناء والاستيلاء على الأراضي والبنوك وجعلها ملكية عامة. وبهذه الطريقة سيمكننا تطبيق برنامج عام شامل لتجهيز المنازل القائمة بخاصية عزل الحرارة وبناء مساكن اجتماعية جديدة عالية الجودة وموفرة للطاقة. تحويل جميع وسائل النقل -سيارات الأجرة والسكك الحديدية وشبكات المترو والحافلات والترام وشركات الطيران والشحن- إلى الملكية العامة. واستبدال الفوضى الحالية بنظام نقل عام صديق للبيئة وعالي الجودة وواسع الامتداد ومندمج ومتكامل ومجاني. وتأميم مصانع السيارات والطائرات تحت الرقابة العمالية من أجل الاستثمار في مركبات وطائرات صديقة للبيئة. تحويل جميع الموارد الطبيعية -بما في ذلك الأراضي والمناجم والأنهار والغابات- إلى الملكية العامة ووضعها تحت الرقابة الديمقراطية. يجب ألا يُسمح للرأسمالية والإمبريالية بتدمير ونهب الكوكب من أجل الربح. وتنفيذ برنامج عالمي شامل لإعادة التشجير وبناء الحواجز ضد الفيضانات. يجب طرد الشركات الكبيرة من الجامعات. يجب أن يصير البحث والتطوير ممولا من الميزانية العمومية، ويوضع تحت الرقابة الديمقراطية ويتم توجيهه لخدمة احتياجات المجتمع والبيئة، وليس أرباح الشركات متعددة الجنسيات. وضع جميع الصناعات والخدمات العمومية المؤممة تحت الرقابة والإدارة الديمقراطية للعمال، وتطبيق خطة لوكاس بقيادة العمال للانتقال من القطاعات الملوثة إلى الصناعات والوظائف الخضراء. 59) لم يهمل ماركس وإنجلز مسألة البيئة، بل أولياها أهمية كبرى. لكن موقفهما آنذاك، كما هو موقفنا الآن، يقوم على أن إنهاء تدمير العالم الطبيعي لن يكون ممكنا أبدا في ظل نظام تسوده الفوضى الرأسمالية. إن التطور المتناغم بين الإنسانية والطبيعة غير ممكن إلا على أساس خطة واعية اشتراكية، وكما يوضح إنجلز:60) «دعونا، مع ذلك، لا نفرط في مدح أنفسنا بسبب انتصارنا كبشر على الطبيعة. لأنها تنتقم منا مقابل كل انتصار من هذا القبيل. صحيح أن كل انتصار يحقق في المقام الأول النتائج التي توقعناها، إلا أنه بعد ذلك تكون له تأثيرات مختلفة تماما وغير متوقعة، والتي غالبا ما تلغي النتيجة الأولى… وهكذا فإنه عند كل خطوة نخطوها يتم تذكيرنا بأننا لا نسيطر، بأي حال من الأحوال، على الطبيعة مثلما يسيطر فاتح على شعب غريب، أو مثل شخص يقف خارج الطبيعة، بل أننا، باعتبارنا بشرا من لحم ودم ودماغ، ننتمي إلى الطبيعة ونوجد في وسطها، وأن كل سيادتنا عليها تعود إلى حقيقة أن لدينا ميزة على جميع الكائنات الأخرى بكوننا قادرين على معرفة قوانينها وتطبيقها بشكل صحيح».61) إن التحويل الاشتراكي للمجتمع وحده ما سيمكننا من تلبية احتياجات الأغلبية في انسجام تام مع البيئة، بدلا من تحقيق الأرباح لأقلية طفيلية. إن العلم والتكنولوجيا موجودان لحل مشكلة تغير المناخ، لكن في ظل الرأسمالية تتسبب هذه القوى في تدمير كوكب الأرض، عوض أن تنقذه. إما الاشتراكية أو البربرية: هذا هو الخيار الذي أمامنا.