الشرق الأوسط: حريق من صنع الإمبريالية

لقد تحركت الأمور في الشرق الأوسط في اتجاه تصعيد الحرب خارج غزة منذ هجوم حماس على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر 2023. وقد كانت كل المحاولات لكبح جماح هذه العملية لها نفس المنوال. ففي البداية يصرح الأميركيون بأنهم لا يريدون التصعيد. ولكن في كل مرة يفعل نتنياهو شيئًا لدفع الحرب إلى التوسع لأنه يعلم أن الولايات المتحدة سوف تقف دائمًا إلى جانب إسرائيل.

[Source]

لقد حدث هذا مرة أخرى مع هجوم إسرائيل على لبنان، حيث صرح بايدن بأنه “يفهم” احتياجات إسرائيل الأمنية.

أصبح الإسرائيليون يفركون أيديهم بعد الرد الإيراني على اغتيال نصر الله. إن هذه فرصة للوصول إلى مراكز الأبحاث النووية الإيرانية لتوجيه ضربة ضد ألد أعدائهم، وربما جر الولايات المتحدة إلى حرب أوسع نطاقًا، وهو هدف نتنياهو منذ البداية.

ولكن بايدن صرح علنًا بأن إسرائيل لا ينبغي لها أن تضرب المنشآت النووية الإيرانية أو منشآتها النفطية، وإنه ينبغي أن يكون هناك “رد متناسب”. والمشكلة في الرد المتناسب هي إنه في كل مرة تنتقم فيها يجب أن يكون الرد التالي أكبر. في الواقع، كان الهجوم الصاروخي الإيراني الثاني ضعف حجم الهجوم الذي أطلقته في أبريل/نيسان.

لقد شارك الأميركيون في إسقاط الصواريخ القادمة من إيران في أبريل/نيسان، وشاركوا أيضًا هذه المرة. لكن حجم الضربة الإيرانية دفع الولايات المتحدة إلى إرسال أنظمة دفاعية أكثر قوة إلى إسرائيل، بالإضافة إلى 200 فرد لتشغيلها.

وهذا يناسب نتنياهو للغاية. فقد يكون على استعداد للتخلي عن ضربة انتقامية تستهدف المنشآت النووية أو النفطية الإيرانية لصالح ضرب أهداف عسكرية – في الوقت الحالي. فقد أعطاه بايدن شيئًا أكثر قيمة: أفراد من الجيش الأمريكي على الأرض. وهم الآن في خط النار إذا شنت إيران المزيد من الضربات. في المرة القادمة التي يستفز فيها نتنياهو إيران للرد على إسرائيل قد ينتهى الأمر بوجود القوات الأمريكية في قائمة الضحايا، وهنا ستجد الولايات المتحدة صعوبة بالغة في تجنب المواجهة المباشرة مع إيران.

في غضون ذلك صرح ستارمر أن البريطانيين – الذين لديهم قاعدة في قبرص – شاركوا أيضًا بكثافة. وهنا نرى كيف يجتذب الصراع أعضاء رئيسيين في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وخاصة الولايات المتحدة، ولكن أيضًا البريطانيين والفرنسيين. وعلى الرغم من كل هذا ما تزال بعض الصواريخ الإيرانية تمر.

وبعد الرد الإيراني نسمع الآن الشعار المعتاد: إلقاء اللوم على إيران بسبب سياستها العدوانية. حيث تتركز كل الأخبار حول “العدوان الإيراني”. لكن الحقيقة هي أن المعتدي هو إسرائيل، ونتنياهو هو الذي صعد الحرب بشكل منهجي، وجر إيران عمدًا إلى الصراع. لقد استفز نتنياهو إيران مرارًا وتكرارًا منذ قصف السفارة الإيرانية في دمشق، ثم بعد ذلك بقتل زعيم حماس في طهران في نهاية يوليو/تموز.

إن مقتل هنية في يوليو/تموز ونصر الله مؤخرًا وضع الإيرانيين في مأزق. وكان تفكيرهم هو: “كيف نقيس الرد بحيث لا نفقد ماء الوجه ولكن لا ننجر للحرب؟”. والمشكلة هنا هي أن أي رد انتقامي من جانب إيران من شأنه أن يعطي نتنياهو الذريعة للرد على نحو أكبر كثيرًا. هذا هو ما كان ينتظره.

يمكننا أن نتوقع ردًا من إسرائيل في الأيام المقبلة، مع أننا لا نستطيع أن نقول على وجه اليقين متى ستضرب إسرائيل إيران.

إن الوضع يسير في دوامة هبوطية نحو الحرب، مع أن الإمبريالية الأميركية تفضل احتواء الصراع في لبنان وتجنب حرب إقليمية أوسع نطاقًا، وهو ما تريده إيران أيضًا.

الوضع داخل إسرائيل

ما أصبح واضحًا في إسرائيل في بداية شهر سبتمبر/أيلول مع مقتل الرهائن الستة هو أن المجتمع الإسرائيلي منقسم.

إن المجتمع الإسرائيلي يعيش تحت ضغط هائل. ويمكن ملاحظة ذلك في الزيادة الهائلة في استخدام المخدرات والمهدئات والحبوب المنومة. إن الناس يعيشون تحت ضغط هائل. كما تعرض الاقتصاد الإسرائيلي لاضطرابات خطيرة.

إن قطاع البناء والزراعة مشلولين، والعديد من الشركات تواجه الإفلاس والإغلاق. وإضافة إلى ذلك، يواجه السكان المدنيون الآن التهديد الحقيقي بالقصف بالصواريخ. وقد أصبح هذا واضحًا مع الهجوم الصاروخي الإيراني الثاني الذي أصاب عدة أهداف داخل إسرائيل. يمكن للمرء أن يتخيل الضغوط الهائلة التي تعرض لها المجتمع الإسرائيلي بسبب سياسة نتنياهو.

ولكن الانقسامات في المجتمع الإسرائيلي لا تدور حول مسألة دعم المجهود الحربي. بل إن هناك قسمًا من السكان يؤيد بصدق الدعوة إلى وقف إطلاق النار من أجل إنقاذ الرهائن. والواقع أن قلقهم على الرهائن حقيقي، في حين إن قلق نتنياهو زائف حتى النخاع. إن نتنياهو لا يكترث كثيرًا بالرهائن الذين ما زالت حماس تحتجزهم في غزة. بل إنه يستغل مسألة الرهائن فقط لمواصلة تصعيد الحرب.

لقد ظهر ذلك جليًا في بداية شهر سبتمبر/أيلول عندما كان بوسع نتنياهو أن يتحرك نحو التقارب مع حماس ويفتح الباب أمام مفاوضات وقف إطلاق النار بسحب قوات الجيش الإسرائيلي من ممر فيلادلفيا الذي يمتد على طول الحدود بين غزة ومصر. ولكنه فعل العكس تمامًا. فقد عمل بشكل منهجي على مدار العام على تخريب المفاوضات.

لقد قتل نتنياهو هنية ونصر الله على وجه التحديد عندما كانا في خضم مفاوضات وقف إطلاق النار. وقد كان نصر الله قبل اقتراح وقف إطلاق النار في نفس اليوم الذي اغتيل فيه. كما رفض نتنياهو سحب القوات من ممر فيلادلفيا على الحدود مع مصر لأنه يعلم أن هذا خط أحمر بالنسبة لحماس.

ولكن شريحة كبيرة من السكان أدركت حقيقة مناوراته. فقد خرج ما يصل إلى 700 ألف شخص إلى شوارع إسرائيل احتجاجًا على هذه الخطوة. بل إن هذه التعبئة أدت إلى إضراب عام، وإن كان قصير الأمد وغير مدعوم من قادة النقابات الذين لم يرغبوا في تنفيذه حقًا، وألغوه بمجرد تدخل المحكمة. ولكن في تلك اللحظة بالذات، أظهرت جميع استطلاعات الرأي أن الدعم لائتلاف نتنياهو قد انخفض بشكل كبير. ولو جرت انتخابات في تلك اللحظة لكان خسر نتنياهو أغلبيته.

إن هذا يلعب دورًا مهمًا في تفكير نتنياهو. فالسماح باستمرار هذا الوضع يعني المخاطرة بسقوطه، ومصيره الشخصي يشكل عنصرًا مهمًا في الموقف برمته.

ولكن كيف سعى نتنياهو إلى الإفلات من هذا المأزق؟ لقد فعل ما فعله طيلة العام الماضي: فقد رفع مستوى التوتر في الحرب بتحويل الانتباه إلى حزب الله، وتسليط الضوء على التهديد الذي يشكله لإسرائيل. لقد نظر إلى استطلاعات الرأي في إسرائيل فوجد أن التأييد لشن حرب ضد حزب الله كان أكبر كثيرًا من التأييد لشن حرب ضد غزة.

إن الجميع يدركون أن حزب الله يشكل تهديدًا أكبر بكثير لإسرائيل من حماس. فهو يمتلك أسلحة متطورة وصواريخ موجهة. وكما استخدم من قبل الرهائن المحتجزين في غزة فإنه يستخدم الآن بشكل منافق الـ60 ألف إسرائيلي الذين تم إجلاؤهم من الحدود الشمالية لإسرائيل. ومرة ​​أخرى إنه لا يبدي أي اهتمام حقيقي بهم. فكيف يمكن لأي شخص أن يزعم أنه يعمل على تأمين الحدود مع لبنان لهؤلاء الناس؟

نتنياهو ليس مجنونًا

لقد دفع سلوك نتنياهو البعض إلى القول بأنه مجنون، ولكنه ليس كذلك. فهو سياسي ماهر للغاية. قد يكون سيكوباتيًا، ولكن السيكوباتيين أشخاص أذكياء ولهذا السبب فهم يشكلون خطرًا كبيرًا. إنه غير مبالٍ تمامًا بكل الموت والدمار والمعاناة التي لحقت بالشعب الفلسطيني، ولا يتردد في خلق معاناة مماثلة لتشمل ملايين البشر في المنطقة.

“إذا ما قرر حزب الله شن حرب شاملة فسوف نحول بيروت وجنوب لبنان إلى غزة” هكذا قال لقادته العسكريين على الحدود الشمالية. وواضح تمامًا ما يعنيه هذا، وقد بدأنا نراه على شاشات التلفاز كل يوم.

إن السيكوباتيين معروفون أيضًا بقسوتهم في الدفاع عن مصالحهم الأساسية. ومن المؤكد أن نتنياهو يتسم بهذه السمة. ولكن الطبقة السائدة في إسرائيل ترتكب خطًأ فادحًا باتباعه على هذا الطريق. ولننظر إلى موقفهم في غزة. فبعد 12 شهرًا من القصف المتواصل، هل انتصروا؟ إنهم يتمتعون بدعم القوة العظمى، الولايات المتحدة، ولديهم أسلحة قوية وكل التكنولوجيا الأكثر تقدمًا، ولكن هل انتصروا؟

إن الإجابة على هذا السؤال تتطلب منا أن نتذكر الأهداف التي كانت تهدف لها إسرائيل: إطلاق سراح الرهائن وتدمير حماس. لقد فشلوا في تحقيق الهدفين، وهذا جزء من السبب الذي دفع الجنرالات إلى المطالبة بوقف إطلاق النار. فهم يدركون أن حماس تفوز لأنها لم تخسر. وكل ما يتعين على حماس أن تفعله هو أن تواصل مسيرتها بالرغم من خسائرها الفادحة.

إن الكراهية والرغبة في الانتقام التي ولّدتها الفظائع التي ارتكبتها إسرائيل سوف تضمن استمرار انضمام المزيد من المجندين والمقاتلين إلى حماس، وبذلك فإنها سوف تستمر إلى ما لا نهاية تقريبًا. ولهذا السبب وحده انتصرت حماس وخسرت إسرائيل.

والآن، إذا كان هذا صحيحًا في غزة فإنه سيكون أكثر صحة بألف مرة في لبنان. فرغم الخسائر الجسيمة التي تكبدها حزب الله في الفترة الأخيرة فإنه ليس حماس. بل إنه قوة قتالية أكثر قوة. والحقيقة إننا بدأنا نشهد ارتفاع معدلات الضحايا بين الجنود الإسرائيليين في جنوب لبنان دليل على هذا.

احتمالات الحرب في لبنان

إن حزب الله يمثل قوة عسكرية أكثر احترافًا من حماس. فهم يمتلكون جنودًا مخضرمين قاتلوا في سوريا، ولديهم التكنولوجيا والأسلحة وما إلى ذلك، وهو ما لم تمتلكه حماس قط. صحيح أنهم لا يمتلكون نظام دفاع جوي جدي، ولا يمتلكون قوة جوية، كما إنهم أضعف كثيرًا من الناحية العسكرية من الجيش الإسرائيلي. ولكن استراتيجيتهم تقوم على جر الإسرائيليين إلى جنوب لبنان حيث سيقاتلون على أراضي حزب الله، ومن الممكن أن تتغير طبيعة الحرب على الضد من القوات الإسرائيلية.

فمن منذ بدء الحرب قبل عام وقعت أكبر عملية قتل لجنود إسرائيليين يوم الأربعاء 2 أكتوبر/تشرين الأول، عندما قُتل ثماني جنود إسرائيليين وأصيب العشرات. وهذا يعني أن أكبر ضربة منفردة للجيش الإسرائيلي حدثت في بداية التوغل في جنوب لبنان. وهذا يعطي مؤشرًا على الشكل الذي قد تبدو عليه هذه الحرب إذا تحولت إلى حرب برية شاملة. ثم إن تدمير ثلاث دبابات إسرائيلية من طراز ميركافا بصواريخ موجهة في نفس اليوم يشير إلى مدى صعوبة الأمر بالنسبة للجيش الإسرائيلي.

لقد زعم نتنياهو أن غزو لبنان سيكون عملية جراحية سريعة. “لقد دمرنا الكثير من القواعد” كما يزعم. صحيح أن إسرائيل أمضت سنوات في دراسة حزب الله وقواعده وطريقة عمله وكوادره وغيرها من الأمور.

لقد أظهرت مقالة مثيرة للاهتمام نشرتها صحيفة فاينانشال تايمز في 29 سبتمبر/أيلول تحت عنوان “كيف اخترق جواسيس إسرائيليون حزب الله” أن حزب الله عندما دخل سوريا كان عليه أن يجند عددًا كبيرًا جدًا من الرجال، وفي تلك الفترة أصبح اختراق حزب الله أسهل كثيرًا. كما إن هناك فسادًا داخل حزب الله فتح الباب أمام عمليات مثل هجمات أجهزة النداء “البيجر” واللاسلكي.

إن هذه العناصر كلها هي التي سهلت الضربة الأولى الدرامية التي وجهتها إسرائيل، وسمحت لها بالتسلل إلى أنظمة الاتصالات التابعة لحزب الله، وهو الأمر الذي كان من الواضح أنها كانت تعمل عليه منذ بعض الوقت. فقد أصاب الهجوم باستخدام أجهزة النداء “البيجر” قادة وكوادر رئيسيين في حزب الله، فأصاب نحو 3 آلاف منهم وقتل عشرات آخرين. ثم ذهبوا إلى أبعد من ذلك فقتلوا زعيم حزب الله حسن نصر الله، بالإضافة إلى العديد من القادة البارزين في حزب الله. وكانت الرسالة التي أرادوا إيصالها هي: “نحن قادرون على الوصول إليكم أينما كنتم”.

ولكن بالرغم من تعرض حزب الله لهجوم خطير فإن هذا لا يعني أن إسرائيل دمرت المنظمة على الإطلاق. لقد شكلوا قيادة أخرى وهم الآن يقاتلون. فهم على الأرض يقاتلون للدفاع عن أراضيهم، ويمكننا بالفعل أن نرى أنها ستكون حربًا طويلة الأمد. سيكون هناك الكثير من الدمار والكثير من الموت، وما يزال بإمكانهم إلحاق الكثير من الضرر بجنوب لبنان، لكن الإسرائيليين سيعانون أكثر بكثير من أي شيء عانوا منه في الحرب التي استمرت عامًا في غزة.

إن نتنياهو منتفخ بغروره ونجاحه. ليس لديه وقت لبايدن. إنه يدرك أن هناك فراغًا في السلطة في الولايات المتحدة، وهو يستغل ذلك على أكمل وجه. إنه يعلم أنه بالرغم من أي انتقادات لفظية يوجهها الأميركيون علنًا فإنهم سيرسلون دائمًا إلى إسرائيل الأسلحة التي تحتاجها.

إن الطبقة السائدة الصهيونية في إسرائيل مغرورة وتعتقد أن هذه هي فرصتها لتدمير النظام الإيراني. لقد قضمت أكثر مما تستطيع مضغه، وقللت بشكل كبير من شأن حزب الله والإيرانيين.

تظل إسرائيل دولة صغيرة ذات عدد سكان صغير وموارد محدودة، هذا بالرغم من كل الأسلحة والدعم الذي تقدمه القوى الإمبريالية الغربية. إن لديها الكثير من الأسلحة والصواريخ، ولكنها تحتاج إلى تجديد، وهي مكلفة. وإذا ما واجهت هجمات صاروخية منتظمة فسوف تنفد مخزوناتها. وهذا في وقت تتعرض فيه الولايات المتحدة لضغوط لتزويد أوكرانيا بالصواريخ. ليس لديها إمدادات غير محدودة.

إن مقالًا في صحيفة الفاينانشال تايمز بعنوان “إسرائيل تعاني من نقص في صواريخ الدفاع الجوي” يؤكد هذه الحقيقة، مستشهدًا بتصريحات دانا سترول “المسؤولة الدفاعية الأميركية السابقة المسؤولة عن الشرق الأوسط”، والتي تقول: “إن قضية الذخائر الإسرائيلية خطيرة. وإذا ردت إيران على هجوم إسرائيلي [بحملة غارات جوية ضخمة] وانضم إليها حزب الله أيضًا فإن الدفاعات الجوية الإسرائيلية سوف تتعرض للإجهاد”.

لذا فإن إسرائيل ليست في وضع يسمح لها بخوض حرب طويلة. إن تحقيق نصر خاطف ناجح هو المطلوب، وهذا سيكون في مصلحة إسرائيل على المدى البعيد. ولكن سوف يتورط الجيش الإسرائيلي في حرب استنزاف طويلة في جنوب لبنان.

وإلى جانب هذا، فهناك الخطر المتزايد المتمثل في اندلاع حرب أوسع نطاقًا. فقد أوضح نتنياهو في خطابه أمام الأمم المتحدة أنه قادر على ضرب أي مكان في الشرق الأوسط، وليس لبنان فقط، وليس إيران فقط. وقد سلط تبختره على منصة الأمم المتحدة الضوء على تغيير مهم في ميزان القوى على مستوى العالم، بمعنى أن الولايات المتحدة لم تعد تهيمن على العالم كما كانت في ذروتها.

إن نتنياهو يدرك ذلك تمامًا، ويتصرف وفقًا لذلك، أي أنه يتصرف بطريقة مصممة لجذب الولايات المتحدة أكثر فأكثر إلى خططه الحربية.

وأثناء وجوده في أمريكا أمر بوقاحة بالهجوم لقتل نصر الله، وحتى أنه قام بتصويره وبثه على التلفزيون. وماذا كان رد فعل إدارة بايدن؟ دعموا نتنياهو بالكامل في حربه في جنوب لبنان.

إنهم يرغبون في أن تقتصر الحرب على لبنان والتوغل في ضرب حزب الله. ولكن ما يريدونه وكيف ستتطور الأمور في الواقع أمران مختلفان. فكل المحللين الجادين يشيرون إلى أن الحرب التي تبدأ بتوغلات صغيرة لن تتوقف عند هذا الحد.

انجرار الولايات المتحدة

إن هجمات نتنياهو على حزب الله هي أيضًا استفزاز واضح يهدف إلى جر إيران إلى الحرب. وكما رأينا، كانت إيران تتصرف بطريقة تتجنب التصعيد. ولكن هناك انقسامات داخل إيران.

إن الرئيس الإيراني الجديد بيزيشكيان ينتمي إلى الجناح الإصلاحي الأكثر اعتدالًا. وقد صرح علنًا قائلًا: “نحن لا نريد حربًا”. وهو يمثل الجناح من النظام الإيراني الذي يرغب في فتح مفاوضات مع الغرب لإنهاء كل العقوبات وإعادة إيران إلى الحظيرة وتسهيل التجارة.

يبدو إن الرئيس قد تلقى من الأميركيين نصيحة: “تريثوا وسنضمن لكم وقف إطلاق النار”. وقد وقع في الفخ بحماقة، فامتنع عن تنفيذ هجوم انتقامي على إسرائيل لمدة شهرين تقريبًا.

إن مشكلته تكمن في أنه لا يمثل سوى فصيل واحد داخل النظام. وهناك فصيل آخر، وهو فصيل قوي للغاية يُعرف باسم المحافظين، غير راضٍ عن موقف بيزيشكيان التوافقي تجاه الغرب، والذي ألحق ضررًا خطيرًا بعلاقة النظام بحزب الله. وقد أدى هذا إلى اتهامات مريرة، وشعور داخل حزب الله بأن إيران خانتهم.

لقد دفع ثمنًا باهظًا في إيران حيث هاجمه المحافظون وأهانوه على وسائل التواصل الاجتماعي. لقد كان موقف بيزيشكيان مناسبًا لنتنياهو، ولكن كانت هناك حدود لما يمكن للنظام الإيراني أن يتحمله. وكان مقتل نصر الله بالتأكيد خطوة أبعد مما ينبغي، مما وضع الرئيس الإيراني في موقف غير مريح للغاية.

يتعين علينا أن نتذكر أن الرئيس لا يمتلك السلطة الحقيقية في إيران. بل إن “المرشد الأعلى” هو أعلى سلطة داخل النظام، والأهم من ذلك أنه القائد الأعلى للقوات المسلحة. وفي النهاية، تجاوز المرشد الأعلى الرئيس وأعطى الضوء الأخضر للهجوم الصاروخي على إسرائيل.

ولكن حتى هذه المرة أعطوا “تحذيرًا مسبقًا”، وإن لم يكن بقدر ما كان عليه الحال في أبريل/نيسان. هذه المرة أعطوهم ساعتين فقط، وليس بشكل مباشر للإسرائيليين. وعلى الرغم من ذلك كان تحذيرًا خطيرًا، مما يعني ضمنًا أنه لن يكون هناك تحذير في المرة القادمة.

ولكن مهما كانت الانقسامات الداخلية فإن إيران مجبرة على الرد. والآن بعد أن فعلت ذلك، تستعد إسرائيل للرد بقوة أكبر. ويأمل نتنياهو في التصعيد نحو حرب أوسع نطاقًا، والتي لن تشمل إيران فحسب بل وأيضًا الحوثيين الذين أطلقوا أيضًا صواريخ وتعرضوا لضربات إسرائيلية.

لقد كانت الضربة الإيرانية التي أصابت أهدافًا عسكرية فقط بمثابة تحذير لما قد يترتب على ذلك. فقد أعلنت إسرائيل على الفور أنها “أسقطت 90%” من الصواريخ القادمة، ثم خفضت هذا الرقم لاحقًا إلى 75%. والحقيقة أن الكثير من تلك الصواريخ نجحت في اختراق الأجواء وتسببت في أضرار جسيمة. وهم غير مستعدين للاعتراف بذلك، ولكن هذه حقيقة. وهذا مجرد تحذير صغير لما قد يتوقعونه في المرة القادمة.

إذا تحولت هذه الحرب إلى حرب شاملة واستخدم الإيرانيون قوتهم النارية الكاملة فإن الدفاعات الجوية الإسرائيلية سوف تثبت عجزها عن إيقاف كل الصواريخ. وهذا يعني أن الأميركيين سوف يضطرون إلى التدخل على نطاق أوسع كثيرًا. ويشكل إرسال نظام الدفاع الصاروخي “ثاد” إلى إسرائيل تأكيدًا على هذا.

ولكن إسرائيل لن تكون وحدها المعرضة لضربات الصواريخ. فهناك قواعد عسكرية أميركية منتشرة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وهناك نحو 40 ألف جندي أميركي في قواعد من تركيا إلى المملكة العربية السعودية، وفي أماكن مثل الكويت، وحتى في سوريا والعراق. وهذه القواعد معرضة بشدة لهجمات الميليشيات الإسلامية الموالية لإيران.

لقد حدث هذا بالفعل في الفترة الأخيرة، ويمكن أن يحدث على نطاق أوسع بكثير. مثل هذه الهجمات من شأنها أن تزيد من الضغوط على الولايات المتحدة مما يجبرها على الرد. إن الجيش الأميركي يتناقش بالفعل مع الإسرائيليين حول رد تفاوضي، وهجوم متفق عليه “متناسب” على إيران.

لا ينبغي لنا أن ننسى أن الطبقة السائدة الأميركية كانت منقسمة منذ فترة طويلة بشأن مسألة إيران. فهناك جناح يرغب في مهاجمة إيران علانية، لقد كانوا أقلية لسنوات لكنهم يشكلون قسمًا وازنًا من الطبقة السائدة الأميركية.

في مرحلة ما بدا الأمر وكأنهم يجهزون الأرض لهجوم على إيران. ثم في عهد أوباما غيروا سياستهم. لقد حاولوا إدخال إيران في الصف، وعقدوا صفقة حتى يتمكنوا من تفتيش منشآتها البحثية النووية. ثم ألقى ترامب بكل ذلك جانبًا وخرق الاتفاق السابق، واستمر الإيرانيون في تطويرهم النووي. الآن، يمكن أن تتأرجح الأمور مرة أخرى داخل الطبقة السائدة في الولايات المتحدة لمصلحة دعم هجوم إسرائيلي على إيران.

إن إسرائيل متحمسة بشدة لهذه الفكرة، وكانت تنظر إما إلى ضرب مصافي النفط الإيرانية أو مراكز الأبحاث النووية. بل إنها كانت تفكر في مهاجمة كليهما. وقد أخبر الأميركيون نتنياهو بعدم السير في هذا الطريق، وهم مستعدون للتفكير في شن هجوم ولكن ليس على هذه الأهداف والذي من شأنه أن يخلف تداعيات عالمية. ينبغي لنا أن نتذكر أنه عندما هاجم الأوكرانيون منشآت النفط الروسية احتج الأميركيون بصوت عال، وطلبوا من الأوكرانيين التوقف، وتوقفوا بالفعل.

لا يبدو أن نتنياهو يستعد لشن هجوم على هذه المنشآت الرئيسية في الوقت الراهن. ولكن في كل خطوة رأينا الشيء نفسه. فالأميركيون يعربون عن قلقهم اللفظي بشأن هذه التفاصيل أو تلك ثم يضطرون، سواء أحبوا ذلك أم لا، إلى الموافقة على كل ما يفعله نتنياهو.

تشابك الحروب

إن إسرائيل ترى في إيران تهديدًا وجوديًا، على الرغم من انقسام النظام الإيراني حيث يرغب أحد جناحيه في الانفتاح أكثر على الغرب. لذا، وعلى الرغم مما يرغب فيه الجناح الإصلاحي فإن إيران تُدفع نحو روسيا والصين.

إن هذا جانب آخر مهم من جوانب هذه الحرب. وهو أنها ترتبط بشكل متزايد بالحرب في أوكرانيا، وذلك لسبب بسيط وهو أن نفس القوة العظمى متورطة في الصراعين: الولايات المتحدة. ورغم أن هذا لا يتم بنفس الطريقة بالضبط، فإنها تقف وراء حرب أوكرانيا وتقف وراء نتنياهو.

ولنتأمل هذا الأمر للحظة. فإذا تسببت الولايات المتحدة في متاعب لبوتين، وإذا هددته باحتمال السماح للأوكرانيين باستخدام صواريخ قادرة على ضرب أهداف داخل روسيا ــ مع أن الغرب هدأ الآن من هذه الفكرة ــ فإن بوتين لديه العديد من الطرق للرد. وإحدى هذه الطرق هو الشرق الأوسط بواسطة إيران. فإيران وروسيا، بالرغم من اختلاف مصالحهما، يدفعهما الغرب إلى تحالف بحكم الأمر الواقع.

ففي العام الماضي فقط، على سبيل المثال، اتفقت روسيا وإيران على بناء خط سكة حديد جديد عبر أذربيجان، مما يسمح لبوتين بإنشاء طريق تجاري بديل عبر الخليج، والذي من شأنه أن يحل محل الطرق القديمة التي أغلقت بسبب العقوبات الغربية. ولا شك أن نجاح ودقة الهجمات الإيرانية على الأهداف العسكرية الإسرائيلية كان يتطلب مساعدة الاستخبارات والأقمار الصناعية الروسية.

ولا تكتفي روسيا ببناء الروابط مع إيران. فقد وردت تقارير عن محادثات بين الروس والحوثيين بشأن تزويد الحوثيين بصواريخ أكثر تقدمًا. ثم تم تعليق هذه المحادثات تحت ضغط من المملكة العربية السعودية. ولكن إذا هدد الأميركيون روسيا عبر أوكرانيا فإن بوتين لديه طريقة للرد. وسوف يكون تفكيره: “إنكم تزعجونني في حديقتي الخلفية، فسوف أحدث فوضى كبيرة في حديقتكم الخلفية”. ويمكنه أن يفعل ذلك في الشرق الأوسط.

وتوجد الصين أيضًا في الخلفية. فقد رأينا كيف شاركت في التوسط في الصفقة التي أدت إلى تطبيع العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية.

إن سلوك نتنياهو يدفع المنطقة برمتها نحو حرب إقليمية حيث يتعين على الولايات المتحدة أن تشارك في الدفاع عن إسرائيل بإرسال سفنها والمزيد من القوات، على الرغم أنها قد لا تنشر مشاة على الأرض بالضرورة. كما قال البريطانيون إنهم سيشاركون باستخدام القاعدة العسكرية التي لديهم في قبرص، والتي يستخدمها الأميركيون أيضًا.

وهكذا نرى جبهة عالمية بدأت تظهر أمامنا تمتد من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط، على جانب منها الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وعلى الجانب الآخر روسيا وإيران، والصين في الخلفية.

الأنظمة العربية على حافة الهاوية

إن السيناريو الذي يتطور الآن في الشرق الأوسط له عواقب على الاقتصاد العالمي بأسره. ففي نفس اليوم الذي أعلنت فيه إيران أنها تستعد للرد قفز سعر النفط بنحو أربعة أو خمسة دولارات في غضون بضع ساعات فقط، وهبطت أسواق الأسهم في كل مكان. وعندما أعلنت إسرائيل أنها لن تهاجم منشآت النفط الإيرانية عاد السعر إلى الانخفاض مرة أخرى، ولكن هذا يشير إلى مدى حساسية أسواق النفط لاحتمال اندلاع حرب أوسع نطاقًا في الشرق الأوسط.

ولكن هناك سهم واحد لم يهبط بل ارتفع: فقد ارتفعت أسهم الدفاع في نفس اليوم الذي هبطت فيه بقية الأسهم. ويمكننا أن نتخيل تفكير المضاربين في سوق الأوراق المالية: “الحرب قادمة. وهذه أسهم جيدة لاستثمار أموالك فيها”.

في حالة ركود الاقتصاد العالمي أو نموه البطيء في أفضل الأحوال (بعض البلدان على حافة الركود إن لم تكن بالفعل في حالة ركود)، فإن تغييرًا مفاجئًا في الشرق الأوسط قد يكون له تأثير دفع الاقتصاد العالمي إلى الركود.

لقد تعطلت حركة الملاحة عبر قناة السويس بالفعل بسبب هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر. وقد أدى هذا إلى زيادة هائلة في تكلفة الشحن، وهو ما كان له تأثير على الاقتصاد العالمي، ولا سيما في أوروبا. إن إعادة توجيه شحن البضائع من آسيا حول أفريقيا يضاعف تكلفة إرسال حاوية من الصين إلى أوروبا بثلاثة أضعاف. وقد تؤدي حرب إقليمية في الشرق الأوسط إلى تفاقم هذا الوضع.

إن اندلاع حرب شاملة من المرجح أن يؤدي إلى إغلاق مضيق هرمز وغيره من طرق التجارة. وسوف يكون هذا كارثيًا بالنسبة للاقتصاد العالمي. وإذا هاجمت إسرائيل منشآت النفط الإيرانية في الفترة المقبلة ــ ربما بعد انتهاء الانتخابات الأميركية ــ وردت إيران على ذلك بضرب منشآت النفط في البلدان المجاورة، كما هددت بذلك، فقد يخلف هذا تأثيرًا دراميًا على أسعار النفط. ومن عجيب المفارقات إن هذا السيناريو من شأنه أن يعزز موقف روسيا، حيث سيبدأ بوتين في رؤية المزيد من الأموال تتدفق من صادراته النفطية.

إن ما يحدث الآن يذكرنا بحرب يوم الغفران عام 1973 والحظر النفطي الذي قادته السعودية بعد ذلك. لقد دُفع الاقتصاد العالمي الذي كان يتجه بالفعل نحو الركود إلى الركود في عام 1974، وكانت هذه أول أزمة اقتصادية خطيرة منذ الحرب العالمية الثانية.

إن الجانب الآخر هو التأثير الاجتماعي والاقتصادي في مختلف أنحاء الشرق الأوسط. إن شعوب هذه المنطقة تعاني حقًا من عواقب الأزمة العالمية للرأسمالية.

إن مصر، على سبيل المثال، تصرفت بشكل جيد وفقًا للإمبرياليين. فقد تعاونت مع إسرائيل وحافظت على علاقاتها بها، ولم تخلق مشاكل على الحدود مع غزة. وقد تلقت مصر في مقابل ذلك حزمة قروض بقيمة 8 مليارات دولار في وقت سابق من هذا العام.

ولكن مثل كل القروض المماثلة فإن هذه القروض تأتي مصحوبة بشروط، بما في ذلك التخفيضات الهائلة في دعم السلع الأساسية. فقد ارتفعت أسعار الكهرباء، مما رفع تكلفة فواتير الطاقة للناس العاديين إلى نفس مستوى تكاليف الإيجار. وتضاعف سعر الخبز أربع مرات هذا الصيف بسبب التخفيضات الهائلة في دعم الدولة. إن الفقر يتزايد بشكل هائل في مصر.

لقد واجهت الأردن وضعًا مماثلًا مع نفس السياسات التي فرضها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. والآن تجاوز معدل البطالة هناك 20%. ونتيجة لهذا أصبحت الأردن واحدة من أكثر الأنظمة غير المستقرة في المنطقة. كما إن البلد موطن لعدد كبير من السكان الفلسطينيين. وفي الوقت نفسه يتعاون النظام بشكل نشط مع الإمبرياليين.

وقد شاركت الأردن في إسقاط الصواريخ الإيرانية عندما رد الإيرانيون على إسرائيل في إبريل/نيسان الماضي بحجة أنها كانت تحلق فوق المجال الجوي الأردني. وقد اعتبرت الجماهير الأردنية ذلك بمثابة تعاون من جانب حكومتها مع الصهاينة والأميركيين. وقد اندلعت احتجاجات ضخمة لكن النظام قمعها بشدة.

وهذا يفسر لماذا عندما يدعو الدبلوماسيون في مختلف أنحاء العالم إلى الهدوء يكون الأردنيون هم أول من يدلي بمثل هذه التصريحات. فهم يخشون احتمال اندلاع حركة جماهيرية قد تطيح بهم في مرحلة ما.

إن الأنظمة العربية لابد أن تتعامل مع هذه الأزمة بحذر شديد فقد تحدد مصيرها في البقاء. إن ما يسعى نتنياهو إلى إحداثه من زعزعة الاستقرار في المنطقة بأسرها قد يؤدي إلى سقوط العديد من هذه الأنظمة.

تأثيرات ثورية أوسع

إن تأثير الحرب الحالية سوف يتجاوز الشرق الأوسط نفسه. فهو يزيد من راديكالية العمال والشباب في البلدان الرأسمالية المتقدمة. حيث سيرى كل هؤلاء الشباب الذين شاركوا في المخيمات والاحتجاجات والمظاهرات أن الحرب تتصاعد بالرغم من كل شيء. وهم يرون أن ما فعلته إسرائيل بغزة يحدث الآن في لبنان.

إن عدد سكان لبنان رسميًا يبلغ نحو 6 ملايين نسمة. وهذا الرقم أقل من الواقع حيث يوجد عدد أكبر من اللاجئين من سوريا وغيرها. وقد نزح بالفعل مليون شخص وقُتل أكثر من 2,000 شخص، وما زلنا في البداية. إن كل هذا لا يمكن أن يفشل في تجذير شرائح أوسع نطاقًا. فمع تزايد انخراط أميركا ستتأثر شريحة كبيرة من الشباب والطبقة العاملة في الولايات المتحدة.

لقد بدأ هذا يؤثر بالفعل على الحملة الانتخابية الرئاسية الأمريكية. يقول بعض المحللين إن هذه هدية لترامب في الانتخابات. لا يمكننا التنبؤ بالضبط بكيفية سير الانتخابات، حيث يبدو أن هاريس وترامب متقاربان في الوقت الحالي. ولكن مع مشاركة الولايات المتحدة بشكل أكبر فإن هذا من شأنه أن يعيد ذكريات دور أمريكا في فيتنام وسيكون له تأثير راديكالي بين شرائح واسعة من الشباب والعمال هناك.

وفي بريطانيا، عندما يلقي ستارمر خطبًة يبرر فيها تمامًا ما تفعله إسرائيل، ويذكر فيها أن بريطانيا شاركت في إسقاط الصواريخ الإيرانية، فإنه يسلط الضوء على حقيقة مفادها أن حكومة حزب العمال لا تدعم إسرائيل بالكلام فقط. إنها تدعم حرب نتنياهو بنشاط، حيث تساعد القوات الجوية الملكية القوات الإسرائيلية في عملياتها في غزة.

في ظل هذه الظروف فإن نضالنا نحن الشيوعيون هو ضد دعاة الحرب. إن عدونا الرئيسي موجود هنا في الداخل. إن نفس الأشخاص الذين يدعمون الهمجية في غزة ولبنان يهاجمون المتقاعدين ويخفضون دعم الوقود لكبار السن في بريطانيا.

إن المجرمين الذين يستعدون لترك المسنين يموتون في البرد في منازلهم هم نفس المجرمين الذين يدعمون القتل والحرق والتجويع لآلاف البشر في الشرق الأوسط. إن الوحشية التي نشهدها يوميًا لا تصدق: أطفال يُطلَق عليهم الرصاص في رؤوسهم وأعناقهم، ومرضى يُحرَقون أحياءً على أسرة المستشفيات، وقرى بكاملها تُهدم بالمتفجرات، وملايين البشر يُجبَرون على ترك منازلهم، ويُقال للسكان: “استسلموا أو جوعوا”.

والآن يتجه الإمبرياليون إلى مسار ينطوي على نشر هذا الرعب على نطاق أوسع في مختلف أنحاء المنطقة وخارجها. واليوم أصبح الأمر أكثر وضوحًا من أي وقت مضى: الرأسمالية لابد أن تموت والإمبريالية لابد أن تموت حتى تتمكن البشرية من البقاء.