البلشفية طريق الثورة الفصل الثالث: مرحلة الردة الرجعية جلسة يناير العامة Arabic Share Tweetكتب تروتسكي: «سنة 1910 وصلت الحركة أشد مراحل انحطاطها وعرفت أكبر انتشار للنزعات التوفيقية. في يناير، عقدت جلسة عامة للجنة المركزية في باريس، حقق فيها التوفيقيون انتصارا غير مستقر للغاية. تقرر إعادة تشكيل اللجنة المركزية في روسيا بإشراك التصفويين. كان نوغين و جيرمانوف بلشفيان توفيقيان. وكان إحياء المنظمة الروسية -أي المنظمة السرية في روسيا- مهمة نوغين».[1]إن ظروف الردة الرجعية السائدة، والصعوبات المروعة التي كان جميع الاشتراكيين الديمقراطيين يواجهونها، شجعت، على نحو مفهوم، العناصر التي كانت تحبذ الوحدة بأي ثمن. وبفعل هذه التحركات نحو الوحدة جاءت فكرة تنظيم جلسة عامة استثنائية لطرد التصفويين والأوتزوفيين وإقامة الوحدة بين البلاشفة وبين المناشفة الموالين للحزب. لكن لينين لم يكن مقتنعا بمحاولات الوحدة هذه. كتب لينين بسخرية أن تروتسكي دخل في كتلة مع أشخاص «لا يتفق معهم في أي شيء من الناحية النظرية، لكنه يتفق معهم في كل شيء عمليا».[2] ما يعنيه لينين هو أنه في حين كان تروتسكي يختلف سياسيا مع التصفويين والأوتزوفيين، فإنه استمر يجادل لصالح النزعة التوفيقية والوحدة، وبالتالي وجد نفسه في كتلة غير مبدئية. لم ير لينين أي جدوى في المشاركة في جلسة عامة لعناصر تتبنى مواقف سياسية متعارضة. لكنه لم يعد أغلبية داخل المعسكر البلشفي بخصوص هذه المسألة. وقد ألمح في وقت لاحق، في رسالة إلى غوركي، إلى النقاش العنيف الذي دار بين القادة البلاشفة: «ثلاثة أسابيع من العذاب، كانت كل الأعصاب مشدودة...».[3] لكن احتجاجات لينين ذهبت سدى، حيث كان في موقف الأقلية داخل الفصيل البلشفي، واضطر على مضض إلى مسايرة الجلسة.في يناير 1910، وللمرة الأخيرة، اجتمع معا الممثلون الرئيسيون للتيارات المختلفة داخل الحزب في محاولة لحل خلافاتهم. عقدت الجلسة العامة في باريس، في الفترة من 02 إلى 23 يناير 1910. كان قادة جميع الفصائل حاضرين، باستثناء بليخانوف، الذي رفض الحضور، متعللا بالمرض. كان غياب المناشفة المؤيدين للحزب ضربة أخرى للينين، لأنه كان يفضل الوحدة مع جماعة بليخانوف. ونظرا للطبيعة غير المتجانسة للغاية لهذا التجمع، فقد كانت النتيجة محسومة سلفا. لا يكفي إعلان الوحدة من أجل التوصل إلى وحدة حقيقية، فإذا لم يكن هناك اتفاق مبدئي حول المسائل الأساسية، فإن مثل تلك المحاولة عادة ما تنجح فقط في توحيد ثلاث مجموعات في عشرة! كانت الخلافات التي تفصل بين مختلف المجموعات كبيرة جدا بحيث لم يكن من الممكن التغلب عليها من خلال قرارات تعلن ضرورة الوحدة. ولهذا السبب عارض لينين عقد ذلك اللقاء. وعوض "حل" المشاكل القائمة أدى ذلك الخليط من العناصر القابلة للاشتعال إلى حدوث انفجار فوري. أقرت الجلسة العامة، بضغط من لينين، قرارا يدين كل من التصفوية والأوتزوفية باعتبارهما تأثيرات برجوازية داخل الحزب، غير أن أنصار هذين التوجهين أصروا لاحقا على تغيير هذا القرار، فطرحت مسألة الدعوة إلى كونفرانس للحزب لمحاولة حل المشكلة. أصر لينين على دعوة أكبر عدد من العمال المنخرطين في منظمات الأحزاب السرية إلى ذلك الكونفرانس، وكان ذلك هو الشرط الذي وافق البلاشفة بموجبه على تلك الفكرة. كما وافقت الجلسة العامة على منح جريدة تروتسكي "برافدا" إعانة شهرية ووضع كامينيف في هيئة تحريرها ممثلا للجنة المركزية.عرفت الجلسة نقاشا حول المالية. وقد أثار المناشفة فضيحة حول أموال البلاشفة، التي تم الحصول عليها من خلال عمليات "المصادرات" المثيرة للجدل. كما اندلع جدل أكبر حول مبلغ كبير من المال تركه للحزب المليونير سافا موروزوف. خلال وقت الجلسة العامة كان البلاشفة يمتلكون الكثير من المال بفضل ابن أخ موروزوف، نيكولاي شميدت، الذي أعدم في سجون القيصر بعد هزيمة دجنبر. كان نيكولاي، قبل مقتله، قد سرب رسالة لأصدقائه خارج السجن يوصي فيها بأنه يمنح كل ممتلكاته للبلاشفة. وبالإضافة إلى ذلك، قررت شقيقته الصغرى، إليزافيتا شميدت، التبرع بنصيبها من الميراث للبلاشفة. لكن ولأنها لم تكن قد بلغت السن القانونية فقد توجب تنظيم زواج صوري لها مع عضو في إحدى فرق القتال التابعة للحزب، مما وفر الأساس القانوني للعملية. بهذه الطريقة تمكن البلاشفة من الحصول على المال فورا، وهذا هو السبب الذي جعل لينين يكتب بثقة أن "بروليتاري" أصبحت قادرة الآن على دفع تكاليف المندوبين إلى الجلسة العامة. عندما اكتشف المناشفة حقيقة الوضع ثارت ثائرتهم، وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها. كان هذا هو السبب في ذلك النوع من النزاعات الهستيرية والخلافات التي كثيرا ما سممت أجواء حلقات المنفيين.لقد دفع البلاشفة ثمنا باهظا مقابل الوحدة. فبالرغم من احتجاج لينين، وافقوا على وقف نشر جريدتهم الرسمية "بروليتاري". والأكثر إيلاما هو أن أموال الفصيل البلشفي سلمت إلى لجنة من الأمناء أنشأتها الأممية الاشتراكية. تم حل مسألة ميراث شميدت عندما تم تسليم تلك الأموال مؤقتا لهذه اللجنة، التي كانت تتألف من مهرينغ وكلارا زيتكين وكاوتسكي. كان لينين غير راض عن هذه القرارات، وأصر على الحق في استرجاع الجريدة والأموال إذا لم يقم المناشفة بدورهم بوقف إصدار جريدتهم "غولوس سوتسيال ديموكراتا" وحل جهازهم التكتلي، وقد أثبتت التطورات المستقبلية أنه كان على حق. وأخيرا تم إحراق ما تبقى من سندات 500 روبل من مخلفات مصادرة تيفليس.ليس صحيحا أن يعزى فشل محاولة الوحدة إلى "عناد" لينين، كما يحدث في كثير من الأحيان. في الواقع لقد كان المناشفة هم العائق الرئيسي أمام الوحدة في تلك الفترة. كان البلاشفة قد طردوا الأوتزوفيين لذلك لم يكن لديهم أي مشكل في التصويت لصالح الوحدة، بينما كان الوضع مختلفا جدا في معسكر المناشفة، حيث كان للتصفويين اليد العليا. كيف يمكنهم طرد التصفويين؟ كان ذلك سيعني انتحارا بالنسبة لهم، وهو ما لم يكن أحد منهم مستعدا حتى للتفكير فيه. وهكذا فعندما اتفق الفصيلان على حل جهازيهما التكتليان ودمجهما، قام البلاشفة فعلا بتنفيذ القرار بكل نزاهة، لكن المناشفة لم يفعلوا ذلك. واعترف مارتوف فيما بعد بأن المناشفة وافقوا على القرار فقط لأنهم كانوا أضعف من أن يتحملوا التعرض لخطر انشقاق فوري.[4]وفي نهاية الاجتماع، وفي خطوة جوفاء، تم انتخاب لينين وبليخانوف بالإجماع بوصفهما مندوبي الحزب إلى المؤتمر المقبل للأممية الاشتراكية. كان التوفيقيون البلشفيون قد حققوا هدفهم. وأرسل البلاشفة كامينيف إلى فيينا لتمثيلهم داخل هيئة جريدة تروتسكي "برافدا"، التي حصلت على إعانة منتظمة قدرها 150 روبل من اللجنة المركزية. لكن لينين ظل غير مقتنع، وكان حكمه على الجلسة العامة، التي عقدت في يناير، هو أنها شكلت تراجعا جزئيا من جانب البلاشفة من أجل الوحدة. لكن قراراتها كانت متناقضة ولم يكن من الممكن تنفيذها. لم يحل المناشفة مركزهم وواصلوا نشر جريدتهم غولوس. وبقي الاتفاق على إعادة الأموال للبلاشفة حبرا على ورق، فتلك الأموال التي وضعت تحت رعاية لجنة كاوتسكي بقيت في ألمانيا، حتى قامت وزارة المالية الألمانية في نهاية الأمر بمصادرتها، بعد اندلاع الحرب، واستخدمت في تمويل جهود الحرب.